س68: تقدَّم المَدعُو (...) لإمارة منطقة الرِّياض "للسَّماح له ببيع الرُّقى والعزائم في السُّوق، وأن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر طلبت منه الحصول على تصريح من الإمارة، وقد رفعت إلينا(1) الإمارة باقتراح إعطاء التَّصاريح من سماحتكم بعد الاقتناع من الشخص طالب الترخيص وعمل الضوابط والقواعد التي تحمي المواطنين من الاستغلال؛ آمل موافاتنا بمرئياتكم في هذا الشأن وإمكانية منح التصاريح لمن تتوافر فيهم الشروط التي يتم وضعها في هذا الشأن، ولسماحتكم تحيَّاتنا"؟!
الجواب: سَبَق أن صدر فتوى في حكم كتابة قرآن أو أذكار نبوية أو نحوها في ورق أو طبق مثلاً ثم محوها بماء ونحوه ليشربه المريض أملاً في الشفاء من مرضه، وأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الخلفاء الرَّاشدين ولا الصَّحابة رضي الله عنهم فيما نعلم أنهم فعلوا ذلك، والخير كل الخير في اتباع هَديه صلى الله عليه وسلم وهَدي خُلفائه وما كان عليه سائر أصحابه رضي الله عنهم، وفيما يلي نَصَّ الفتوى: "أَذِن النبيُّ صلى الله عليه وسلم في الرُّقية بالقرآن والأذكار والأدعية ما لم تكن شِركًا أو كلامًا لا يُفهم معناه؛ لِمَا روى مُسلِم في صحيحه عن عوف بن مالك قال: كُنَّا نَرْقِي فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ».(2)، وقد أجمع العلماء على جواز الرُّقى إذا كانت على الوجه المذكور آنفًا مع اعتقاد أنها سبب لا تأثير له إلاَّ بتقدير الله تعالى، أما تعلِيق شيء بالعُنق أو ربطه بأي عضو من أعضاء الشَّخص فإن كان من غير القرآن فهو محرَّم، بل شِركٌ؛ لما رواه الإمام أحمد في مُسْنَده عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ عَلَى عَضُدِ رَجُلٍ حَلْقَةً مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: «وَيْحَكَ مَا هَذِهِ؟» قَالَ: مِنَ الوَاهِنَةِ؟ قَالَ: «أَمَا إِنَّهَا لَا تَزِيدُكَ إِلَّا وَهْنًا، انْبِذْهَا عَنْكَ؛ فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا».(3)، وما رواه عن عُقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً، فَلَا أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً، فَلَا وَدَعَ اللهُ لَهُ».(4)، وما رواه أحمدُ وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ».(5)؛ وإن كان ما علَّقه من آيات القرآن فالصحيح أنه ممنوع أيضًا لثلاثة أمور:
الأول: عُموم أحاديث نَهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تعلُّق التَّمائم، ولا مُخصَّص لها.
الثاني: سَدّ الذَّريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
الثالث: أن ما علَّق من ذلك يكون عُرضة للامتهان بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء والجماع ونحو ذلك.
وأمَّا كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو قرطاس وغسله بماء أو زعفران وغيرهما وشُرب تلك الغسالة رجاء البركة أو استفادة علم أو كسب مال أو صحة وعافية ونحو ذلك، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله لنفسه أو غيره ولا أنه أَذِن فيه لأحد من أصحابه أو رخَّص فيه لأُمَّته مع وجود الدَّواعي التي تدعو إلى ذلك، ولم يثبت في أثر صحيح فيما علمنا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه فعل ذلك أو رخَّص فيه، وعلى هذا فالأولى تركه، وأن يُستغنَى عنه بما ثَبت في الشَّريعة من الرُّقية بالقرآن وأسماء الله الحُسنى وما صحَّ من الأذكار والأدعية النبوية ونحوها ممَّا يُعرف معناه ولا شائبة للشِّرك فيه، وليتقرب إلى الله بما شرع رجاء المثوبة، وأن يفرِّج اللهُ كُربته ويكشف غُمَّته ويرزقه العلم النافع، ففي ذلك الكفاية، ومَن استغنى بما شرع اللهُ أغناه اللهُ عمَّا سِواه؛ والله الموفق.
وعلى هذا ينبغي ألاَّ يُعطَى هذا الرَّجُل تصريحًا ببيع ما ذُكِر من الرُّقى والعزائم، بل يُمنَع مِن بيعها.
وبالله التَّوفِيق؛
وصلَّى اللهُ على نَبِيِّنا مُحَمَّد، وآله وصحبه وسلِّم
((اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء))
عضو اللجنة فضيلة الشيخ/ عبد الله بن قعود
عضو اللجنة فضيلة الشيخ/ عبد الله بن غديان
نائب الرئيس فضيلة الشيخ/ عبد الرزاق عفيفي عطية
رئيس اللجنة سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
--------------------
(1) المتحدث وكيل وزارة الداخلية الأسبق.
(2) صحيح مسلم (2200)، وسنن أبي داود (3886).
(3) سنن ابن ماجه (3531)، ومسند أحمد (4/ 445).
(4) مسند أحمد (4/ 154).
(5) مسند أحمد (4/ 156)، وسنن أبي داود (3883)، وسنن ابن ماجه (3530).