س78: ما حقيقة العَين -النَّضَل- قال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}(1)، وهل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح والذي ما معناه قوله: «ثُلُثُ مَا فِي القُبُورِ مِنَ العَيْنِ»، وإذا شَكَّ الإنسان في حَسَد أحدهم فماذا يجب على المسلم فِعله وقوله، وهل في أخذ غسال النَّاضِل للمنظُول ما يشفي، وهل يشربه أو يغتسل به؟!
الجواب: العين مأخوذة مِن عان يعين إذا أصابه بعينه، وأصلها من إعجاب العائن بالشيء ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة ثم تستعين على تنفيذ سُمَّها بنظرها إلى المعين وقد أمر اللهُ نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الحاسد فقال تعالى: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}(2)، فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنًا، فلمَّا كان الحاسد أعم مِن العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن وهي سِهام تخرج من نَفْس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفًا لا وقاية عليه أثَّرت فيه، وإن صادفته حذرًا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسِّهام لم تُؤثِّر فيه وربما ردَّت السِّهام على صاحبها (مِن زاد المعاد بتصرُّف)(3)، وقد ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الإصابة بالعين فمِن ذلك: ما في الصَّحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ الْعَيْنِ»(4)، وأخرج مسلم وأحمد والترمذي وصحَّحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا»(5) وأخرج الإمام أحمد والترمذي وصحَّحه، عن أسماء بنت عُمَيْس أنها قالت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَنِي جَعْفَرٍ تُصِيبُهُمُ الْعَيْنُ أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقُ الْقَدَرِ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ»(6)، وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ»(7)، وأخرج الإمام أحمد ومالك والنسائي وابن حبان وصحَّحه عن سهل بن حنيف: "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ، وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ، اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ، حَسَنَ الْجِسْمِ، وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ، فَقَالَ: "مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ، وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ"، فَلُبِطَ بِسَهْلٌ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ؟ وَاللهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، وَمَا يُفِيقُ، قَالَ: «هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟» قَالُوا: نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا، فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ وَقَالَ: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ؟! هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ؟!»، ثُمَّ قَالَ لَهُ: «اغْتَسِلْ لَهُ»، فَغَسَلَ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ، وَمِرْفَقَيْهِ، وَرُكْبَتَيْهِ، وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ، وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ، وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ، يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ، فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ".(8)؛ فالجمهور من العلماء على إثبات الإصابة بالعين؛ للأحاديث المذكورة وغيرها، ولما هو مشاهد وواقع.
وأمَّا الحديث الذي ذكرتَه «ثُلُثُ مَا فِي القُبُورِ مِنَ العَيْنِ» فلا نعلم صِحَّته، ولكن ذكر صاحب "نيل الأوطار" أن البزَّار أخرج بسند حسن عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَكْثَرُ مَنْ يَمُوتُ مِنْ أُمَّتِي -بَعْدَ قَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ- بِالعَيْنِ»(9) يعني: بالعين.
ويجب على المسلم أن يُحصِّن نفسَه من الشياطين من مَرَدَة الجِن والإنس بقوة الإيمان بالله واعتماده وتوكله عليه ولجئه وضراعته إليه، والتَّعوذات النبوية وكثرة قراءة المعوِّذتين وسورة الإخلاص وفاتحة الكتاب وآية الكرسي، ومن التَّعوذات: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ»(10)، و «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ، وَعِقَابِهِ، وَشَرِّ عِبَادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ، وَأَنْ يَحْضُرُونِ»(11)، وقوله تعالى: {حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}(12)؛ ونحو ذلك من الأدعية الشرعية، وهذا هو معنى كلام ابن القيم المذكور في أول الجواب.
وإذا عَلِم أن إنسانًا أصابه بعينه أو شكّ في إصابته بعين أحد فإنه يُؤمر العائن أن يغتسل لأخيه فيحضر له إناء به ماء فيدخل كفه فيه فيتمضمض ثم يمجّه في القَدح ويغسل وجهه في القَدح ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليُمنى في القَدح ثم يدخل يده اليُمنى فيصب على رُكبته اليسرى ثم يغسل إزاره ثم يصب على رأس الذي تصيبه العين من خلفه صبَّة واحدة؛ فيبرأ بإذن الله.
وبالله التَّوفِيق؛
وصلَّى اللهُ على نَبِيِّنا مُحَمَّد، وآله وصحبه وسلِّم
((اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء))
عضو اللجنة فضيلة الشيخ/ عبد الله بن قعود
عضو اللجنة فضيلة الشيخ/ عبد الله بن غديان
نائب الرئيس فضيلة الشيخ/ عبد الرزاق عفيفي عطية
رئيس اللجنة سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
--------------------
(1) سورة الفلق الآية 5
(2) سورة الفلق الآية 5
(3) زاد المعاد (ج3/ ص248).
(4) صحيح البخاري (7/ 23)، ومسلم بشرح النووي (14/ 184)، وسنن ابن ماجه (2/ 1161).
(5) مسلم بشرح النووي (14/ 171)، وسنن الترمذي (4/ 397)، ومسند أحمد (1/ 274، 294).
(6) مسند أحمد (6/ 438)، وسنن الترمذي (4/ 395)، وسنن ابن ماجة (2/ 1160)، وموطأ مالك (2/ 939).
(7) سنن أبي داود (4/ 210).
(8) مسند أحمد (3/ 386)، وابن ماجه (2/ 1160)، ومالك في "الموطأ" (2/ 938، 939)، ومستدرك الحاكم (4/ 215)، وابن حبان "موارد الظمآن" (ص 344).
(9) الطيالسي في مسنده (1760)، والتاريخ الكبير للبخاري (4/ 360)، والسنة لابن أبي عاصم (1/ 136)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (7/ 338)؛ وحسَّنه العلامة الألباني.
(10) صحيح مسلم (2708)، وسنن الترمذي (3437)، وسنن ابن ماجه (3547)، ومسند أحمد بن حنبل (6/409)، وسنن الدارمي (2680).
(11) مسند أحمد بن حنبل (4/ 57).
(12) سورة التوبة الآية 129.