Mr. HATEM
زيزوومي VIP
غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛، وبعـــد:
كلنا نواجه هذا اللون من الاستفزاز الذي هو اختبار لقدرة الإنسان على الانضباط، وعدم مجاراة الآخر في ميدانه، وهناك 9 أسباب ينتج عنها أو عن واحد منها ضبط النفس:
أولاً: الرَّحمة بالمُخطئ والشَّفقة عليه، واللِّين معه والرِّفق به: قال سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى اللهُ عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر} (آل عمران: 159) .. في هذه الآية فائدة عظيمة وهي: أن الناس يجتمعون على الرِّفق واللِّين، ولا يجتمعون على الشدة والغيظ؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: من الآية159) .. وهؤلاء هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، والسابقين الأولين؛ فكيف بِمَن بعدهم؟! وكيف بِمَن ليس له مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس؛ سواء كان من العُلَماء أو الدُّعاة أو مِمَن لهم رياسة أو وجاهة؟! فلا يُمكن أن يجتمع الناس إلاَّ على أساس الرَّحمة والرِّفق .. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي اللهُ عنه لِرَجُلٍ شَتَمَه: "يَا هَذَا لَا تُغْرِقَنَّ فِي سَبِّنَا وَدَعْ لِلصُّلْحِ مَوْضِعًا فَإِنَّا لَا نُكَافِئُ مَنْ عَصَى اللَّهَ فِينَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ نُطِيعَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ" .. وَشَتَمَ رَجُلٌ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ له الشَّعْبِيُّ: "إنْ كُنْتُ كمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللَّهُ لِي وَإِنْ لَمْ أَكُنْ كَمَا قُلْتَ فَغَفَرَ اللَّهُ لَكَ" .. وشَتَم رجل معاوية شتيمة في نفسه؛ فدعا له وأمر له بجائزة! فلا بُدّ من تربية النفس على الرضا، والصبر، واللِّين، والمُسامحة؛ هي قضية أساسية، والإنسان يتحلّم حتى يُصبِح حليمًا.
ثانيًا: من الأسباب التي تدفع أو تهدئ الغضب سعة الصدر وحسن الثقة؛ ممَّا يحمل الإنسان على العفو: ولهذا قال بعض الحُكماء: "أحسنُ المكارمِ؛ عَفْوُ الْمُقْتَدِرِ وَجُودُ الْمُفْتَقِرِ"، فإذا قدر الإنسان على أن ينتقم من خصمه؛ غفر له وسامحه، {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (الشورى:43) .. وقال يوسف عليه السلام لإخوته بعد ما أصبحوا في مُلكه وتحت سُلطانه: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:92).
ثالثًا: شَرَف النَّفس وعُلو الهِمَّة: بحيث يترفَّع الإنسان عن السِّباب، ويسمو بنفسه فوق هذا المقام.
لَنْ يَبْلُغَ الْمَجْدَ أَقْوَامٌ وَإِنْ عَظمُوا ..... حَتَّى يَذِلُّوا وَإِنْ عَزُّوا لأقْوَامِ
وَيُشْتَمُوا فَتَرَى الأَلْوَانَ مُسْفِرَةً ..... لا صَفْحَ ذُلٍ وَلَكِنْ صَفْحَ أَحْلامِ
أي: لا بُدَّ أن تعوِّد نفسك على أنك تسمع الشَّتيمة؛ فيُسفر وجهك، وتقابلها بابتسامة عريضة، وأن تدرِّب نفسك تدريبًا عمليًّا على كيفية كظم الغيظ.
وَإِنَّ الذِي بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي أَبِي ..... وَبَيَن بَنِي عَمِّي لَمُخْتَلِفٌ جِدَا
فَإِنْ أَكَلُوا لحَمْي وَفَرْتُ لُحُومَهُم ..... وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدَا
وَلَا أَحْمِلُ الْحِقْدَ الْقَدِيم عَلَيهِم ..... ولَيْسَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْحِقْدَا
رابعًا: طَلَب الثَّواب عند الله عزّ وجلّ: إنّ جَرعة غَيظ تتجرعها في سبيل الله سبحانه وتعالى لها ما لها عند الله عز وجل من الأجر والرِّفعة؛ فعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ - دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُؤوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ)) رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن، والكلام سهل وطيب وميسور ولا يُكلِّف شيئًا، وأعتقد أن أي واحد يستطيع أن يقول محاضرة خاصة في هذا الموضوع، لكن يتغير الحال بمجرد الوقوع في كُربة تحتاج إلى الصبر وسعة الصَّدر واللِّين فتُفاجأ بأن بين القول والعمل بُعد المَشرقين!
خامسًا: استحياء الإنسان أن يضع نفسه في مقابلة المخطئ: وقد قال بعض الحُكماء: "احْتِمَالُ السَّفِيهِ خَيْرٌ مِنْ التَّحَلِّي بِصُورَتِهِ والْإِغْضَاءُ عَنْ الجَاهِلِ خَيْرٌ مِنْ مُشَاكَلَتِه". وقال بعض الأُدباء: "مَا أَفْحَشَ حَلِيمٌ وَلَا أَوْحَشَ كَرِيمٌ".
وقَالَ لَقِيطُ بْنُ زُرَارَةَ:
وَقُلْ لِبَنِي سَعْدٍ فَمَا لِي وَمَا لَكُمْ ..... تُرِقُّونَ مِنِّي مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَعْتِقُ
أَغَرَّكُمْ أَنِّي بِأَحْسَنِ شِيمَةٍ ..... بَصِيرٌ وَأَنِّي بِالْفَوَاحِشِ أَخْرَقُ
وَإِنْ تَكُ قَدْ فَاحَشْتَنِي فَقَهَرْتَنِي ..... هَنِيئًا مَرِيئًا أَنْتَ بِالْفُحْشِ أَحْذَقُ
وقال غيرُه:
سَأُلْزِمُ نَفْسِي الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ ..... وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ إلَيَّ الْجَرَائِمُ
فَمَا النَّاسُ إلاّ وَاحِدٌ مِنْ ثَلاثَةٍ ..... شَرِيفٌ وَمَشْرُوفٌ وَمِثْلٌ مُقَاوِمُ
فَأَمَّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ ..... وَأَتْبَعُ فِيهِ الْحَقَّ وَالْحَقُّ لازِمُ
وَأَمَّا الَّذِي دُونِي فَأَحْلُمُ دَائِبًا ..... أَصُونُ بِهِ عِرْضِي وَإِنْ لَامَ لائِمُ
وَأَمَّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا ..... تَفَضَّلْت إنَّ الْفَضْلَ بِالْفَخْرِ حَاكِمُ
وفي حديث خُروج النبي صلى الله عليه وسلم من الطَّائف، وقد ردُّوه شر رَدّ .. تقول عائشة رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ : ((لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ؛ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ! فَقَالَ النبي ُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)). رواه البخاري ومسلم
سادسًا: التدرب على الصبر والسماحة فهي من الإيمان: إن هذه العَضَلة التي في صدرك قابلة للتدريب والتمرين، فمرِّن عضلات القلب على كثرة التسامح، والتنازل عن الحقوق، وعدم الإمساك بحظ النَّفس، وجرّب أن تملأ قلبك بالمحبة! فلو استطعت أن تُحِب المسلمين جميعًا فلن تشعر أن قلبك ضاق بهم، بل سوف تشعر بأنه يتّسع كلما وفد عليه ضيف جديد، وأنه يسع الناس كلهم لو استحقوا هذه المحبة. فمرّن عضلات قلبك على التسامح في كل ليلة قبل أن تخلد إلى النوم، وتسلم عينيك لنومة هادئة لذيذة، سامح كل الذين أخطؤوا في حقِّك، وكل الذين ظلموك، وكل الذين حاربوك، وكل الذين قصَّروا في حقك، وكل الذين نسوا جميلك، بل وأكثر من ذلك .. انهمك في دعاء صادق لله -سبحانه وتعالى- بأن يغفر اللهُ لهم، وأن يُصلح شأنهم، وأن يوفقهم؛ ستجد أنك أنت الرابح الأكبر!
سابعًا: قطع السِّباب وإنهاؤه مع مَن يصدر منهم، وهذا لا شك أنه من الحزم: حُكِيَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِضِرَارِ بْنِ القَعْقَاعِ: وَاَللَّهِ لَوْ قُلْتَ وَاحِدَةً؛ لَسَمِعْت عَشْرًا! فَقَالَ لَهُ ضِرَارٌ: وَاَللَّهِ لَوْ قُلْت عَشْرًا؛ لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً!
وَفِي الْحِلْمِ رَدْعٌ لِلسَّفِيهِ عَنْ الأَذَى ..... وَفِي الْخَرْقِ إغْرَاءٌ فَلَا تَكُ أَخْرَقَا
فَتَنْدَمَ إذْ لَا تَنْفَعَنكَ نَدَامَةٌ ..... كَمَا نَدِمَ الْمَغْبُونُ لَمَّا تَفَرَّقَا
وقال آخر:
قُلْ مَا بَدَا لَك مِنْ زُورٍ وَمِنْ كَذِبِ ..... حِلْمِي أَصَمُّ وَأُذْنِي غَيْرُ صَمَّاءِ
وبالخبرة وبالمشاهدة فإن الجهد الذي تبذله في الرد على مَن يسبك لن يعطي نتيجة مثل النتيجة التي يعطيها الصمت، فبالصمت حفظت لسانك، ووقتك، وقلبك؛ ولهذا قال اللهُ سبحانه وتعالى لمريم عليها السلام: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (مريم: من الآية26) .. والكلام والأخذ والعطاء، والرّد والمجادلة تنعكس أحيانًا على قلبك، وتضرّ أكثر ممَّا تنفع.
ثامنًا: رعاية المصلحة: ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن رضي اللهُ عنه بقوله: ((ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) رواه البخاري .. فدلّ ذلك على أن رعاية المصلحة التي تحمل الإنسان على الحرص على الاجتماع، وتجنُّب المخالفة هي السِّيادة.
تاسعًا: حِفظ المعروف السَّابق والجميل السَّالف: ولهذا كان الشافعي -رحمه اللهُ- يقول: "إِنَّ الحُرَّ مَنْ رَاعَى وِدَادَ لَحْظَةٍ وَانْتَمَى لِمَنْ أَفَادَ لَفْظَةً" .. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ)) رواه الحاكم وصحَّحه؛، وأمثلة ذلك كثيرة.
وصلَّى اللهُ وسلّم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
********
ثالثًا: شَرَف النَّفس وعُلو الهِمَّة: بحيث يترفَّع الإنسان عن السِّباب، ويسمو بنفسه فوق هذا المقام.
لَنْ يَبْلُغَ الْمَجْدَ أَقْوَامٌ وَإِنْ عَظمُوا ..... حَتَّى يَذِلُّوا وَإِنْ عَزُّوا لأقْوَامِ
وَيُشْتَمُوا فَتَرَى الأَلْوَانَ مُسْفِرَةً ..... لا صَفْحَ ذُلٍ وَلَكِنْ صَفْحَ أَحْلامِ
أي: لا بُدَّ أن تعوِّد نفسك على أنك تسمع الشَّتيمة؛ فيُسفر وجهك، وتقابلها بابتسامة عريضة، وأن تدرِّب نفسك تدريبًا عمليًّا على كيفية كظم الغيظ.
وَإِنَّ الذِي بَيْنِي وَبَيْنَ بَنِي أَبِي ..... وَبَيَن بَنِي عَمِّي لَمُخْتَلِفٌ جِدَا
فَإِنْ أَكَلُوا لحَمْي وَفَرْتُ لُحُومَهُم ..... وَإِنْ هَدَمُوا مَجْدِي بَنَيْتُ لَهُمْ مَجْدَا
وَلَا أَحْمِلُ الْحِقْدَ الْقَدِيم عَلَيهِم ..... ولَيْسَ رَئِيسُ الْقَوْمِ مَنْ يَحْمِلُ الْحِقْدَا
رابعًا: طَلَب الثَّواب عند الله عزّ وجلّ: إنّ جَرعة غَيظ تتجرعها في سبيل الله سبحانه وتعالى لها ما لها عند الله عز وجل من الأجر والرِّفعة؛ فعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ كَظَمَ غَيْظًا - وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ - دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُؤوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ مَا شَاءَ)) رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حديث حسن، والكلام سهل وطيب وميسور ولا يُكلِّف شيئًا، وأعتقد أن أي واحد يستطيع أن يقول محاضرة خاصة في هذا الموضوع، لكن يتغير الحال بمجرد الوقوع في كُربة تحتاج إلى الصبر وسعة الصَّدر واللِّين فتُفاجأ بأن بين القول والعمل بُعد المَشرقين!
خامسًا: استحياء الإنسان أن يضع نفسه في مقابلة المخطئ: وقد قال بعض الحُكماء: "احْتِمَالُ السَّفِيهِ خَيْرٌ مِنْ التَّحَلِّي بِصُورَتِهِ والْإِغْضَاءُ عَنْ الجَاهِلِ خَيْرٌ مِنْ مُشَاكَلَتِه". وقال بعض الأُدباء: "مَا أَفْحَشَ حَلِيمٌ وَلَا أَوْحَشَ كَرِيمٌ".
وقَالَ لَقِيطُ بْنُ زُرَارَةَ:
وَقُلْ لِبَنِي سَعْدٍ فَمَا لِي وَمَا لَكُمْ ..... تُرِقُّونَ مِنِّي مَا اسْتَطَعْتُمْ وَأَعْتِقُ
أَغَرَّكُمْ أَنِّي بِأَحْسَنِ شِيمَةٍ ..... بَصِيرٌ وَأَنِّي بِالْفَوَاحِشِ أَخْرَقُ
وَإِنْ تَكُ قَدْ فَاحَشْتَنِي فَقَهَرْتَنِي ..... هَنِيئًا مَرِيئًا أَنْتَ بِالْفُحْشِ أَحْذَقُ
وقال غيرُه:
سَأُلْزِمُ نَفْسِي الصَّفْحَ عَنْ كُلِّ مُذْنِبٍ ..... وَإِنْ كَثُرَتْ مِنْهُ إلَيَّ الْجَرَائِمُ
فَمَا النَّاسُ إلاّ وَاحِدٌ مِنْ ثَلاثَةٍ ..... شَرِيفٌ وَمَشْرُوفٌ وَمِثْلٌ مُقَاوِمُ
فَأَمَّا الَّذِي فَوْقِي فَأَعْرِفُ قَدْرَهُ ..... وَأَتْبَعُ فِيهِ الْحَقَّ وَالْحَقُّ لازِمُ
وَأَمَّا الَّذِي دُونِي فَأَحْلُمُ دَائِبًا ..... أَصُونُ بِهِ عِرْضِي وَإِنْ لَامَ لائِمُ
وَأَمَّا الَّذِي مِثْلِي فَإِنْ زَلَّ أَوْ هَفَا ..... تَفَضَّلْت إنَّ الْفَضْلَ بِالْفَخْرِ حَاكِمُ
وفي حديث خُروج النبي صلى الله عليه وسلم من الطَّائف، وقد ردُّوه شر رَدّ .. تقول عائشة رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ : ((لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ؛ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ! فَقَالَ النبي ُّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)). رواه البخاري ومسلم
سادسًا: التدرب على الصبر والسماحة فهي من الإيمان: إن هذه العَضَلة التي في صدرك قابلة للتدريب والتمرين، فمرِّن عضلات القلب على كثرة التسامح، والتنازل عن الحقوق، وعدم الإمساك بحظ النَّفس، وجرّب أن تملأ قلبك بالمحبة! فلو استطعت أن تُحِب المسلمين جميعًا فلن تشعر أن قلبك ضاق بهم، بل سوف تشعر بأنه يتّسع كلما وفد عليه ضيف جديد، وأنه يسع الناس كلهم لو استحقوا هذه المحبة. فمرّن عضلات قلبك على التسامح في كل ليلة قبل أن تخلد إلى النوم، وتسلم عينيك لنومة هادئة لذيذة، سامح كل الذين أخطؤوا في حقِّك، وكل الذين ظلموك، وكل الذين حاربوك، وكل الذين قصَّروا في حقك، وكل الذين نسوا جميلك، بل وأكثر من ذلك .. انهمك في دعاء صادق لله -سبحانه وتعالى- بأن يغفر اللهُ لهم، وأن يُصلح شأنهم، وأن يوفقهم؛ ستجد أنك أنت الرابح الأكبر!
سابعًا: قطع السِّباب وإنهاؤه مع مَن يصدر منهم، وهذا لا شك أنه من الحزم: حُكِيَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِضِرَارِ بْنِ القَعْقَاعِ: وَاَللَّهِ لَوْ قُلْتَ وَاحِدَةً؛ لَسَمِعْت عَشْرًا! فَقَالَ لَهُ ضِرَارٌ: وَاَللَّهِ لَوْ قُلْت عَشْرًا؛ لَمْ تَسْمَعْ وَاحِدَةً!
وَفِي الْحِلْمِ رَدْعٌ لِلسَّفِيهِ عَنْ الأَذَى ..... وَفِي الْخَرْقِ إغْرَاءٌ فَلَا تَكُ أَخْرَقَا
فَتَنْدَمَ إذْ لَا تَنْفَعَنكَ نَدَامَةٌ ..... كَمَا نَدِمَ الْمَغْبُونُ لَمَّا تَفَرَّقَا
وقال آخر:
قُلْ مَا بَدَا لَك مِنْ زُورٍ وَمِنْ كَذِبِ ..... حِلْمِي أَصَمُّ وَأُذْنِي غَيْرُ صَمَّاءِ
وبالخبرة وبالمشاهدة فإن الجهد الذي تبذله في الرد على مَن يسبك لن يعطي نتيجة مثل النتيجة التي يعطيها الصمت، فبالصمت حفظت لسانك، ووقتك، وقلبك؛ ولهذا قال اللهُ سبحانه وتعالى لمريم عليها السلام: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} (مريم: من الآية26) .. والكلام والأخذ والعطاء، والرّد والمجادلة تنعكس أحيانًا على قلبك، وتضرّ أكثر ممَّا تنفع.
ثامنًا: رعاية المصلحة: ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن رضي اللهُ عنه بقوله: ((ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) رواه البخاري .. فدلّ ذلك على أن رعاية المصلحة التي تحمل الإنسان على الحرص على الاجتماع، وتجنُّب المخالفة هي السِّيادة.
تاسعًا: حِفظ المعروف السَّابق والجميل السَّالف: ولهذا كان الشافعي -رحمه اللهُ- يقول: "إِنَّ الحُرَّ مَنْ رَاعَى وِدَادَ لَحْظَةٍ وَانْتَمَى لِمَنْ أَفَادَ لَفْظَةً" .. وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ)) رواه الحاكم وصحَّحه؛، وأمثلة ذلك كثيرة.
وصلَّى اللهُ وسلّم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
********
سلمان بن فهد العودة
"بتصرف"
"بتصرف"
