أبـو حفـص

زيزوومي VIP
إنضم
23 فبراير 2012
المشاركات
4,811
مستوى التفاعل
4,170
النقاط
1,420
الإقامة
~ * قلوب الأبرار * ~
غير متصل
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال: مرّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟»، فقال: رجلٌ من أشراف الناس، هذا والله حريٌّ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفّع، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مرّ رجل فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيك في هذا؟»، فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حريُّ إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفّع، وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا» رواه البخاري.


معاني المفردات:


= حريّ: جدير.


= إن خطب أن ينكح: أي يزوّج.



تفاصيل الموقف:


لأغلب لناس مقاييسهم الخاصّة في تقييم الآخرين وتصنيفهم، مبناها: الوقوف عند ظاهر القالب الإجتماعيّ، والأخذ بعين الإعتبار لأصول الشخص وجذوره، وحسبه ونسبه، وأمواله ومدّخراته، وأملاكه وأراضيه، وسطوته وقوّته.

فمن كان يملك من هذه الصفات حظّاً كبيرا، ونصيباً موفوراً، حاز على رضا من حوله وإحترامهم، فتراهم يصدّرونه مجالسهم، ويولونه إهتمامهم، حتى تراه يقول المقولة التي لا عمق في مبناها، ولا جديد في معناها، فإذا بعبارات المدح تنطلق من حوله تمدح في عمق تفكيره، وفصاحة لسانه، ورجاحة عقله.


ولكن هل الأمور تؤخذ بهذا الشكل؟ وهل هذه المقاييس التي يتعامل بها الناس صحيحة؟ الجواب نقتبسه من مشكاة النبوّة وأنوار الرسالة، فهي التي تضيء لنا حقيقة الموازنة وضوابط التقييم.


فبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحادث أحد أصحابه في شأنٍ من شؤونه، إذ مرّ عليهم رجلٌ شريف النسب، عظيم المقام، تبدو عليه آثار النعمة وبوادر القوّة، فنظر إليه النبي عليه الصلاة والسلام، ثم نظر إلى سهل رضي الله عنه، ليستشفّ عن ميزانه الذي يُفاضل فيه بين الأنام، إن كان صحيحاً فيعزّزه، أو خاطئاً فيقوّمه، فقال له: «رأيك في هذا؟».


نظر الصحابي إلى ذلك الرجل، فوجده من أشراف الناس وأعيانهم، ومن خلال هذا الإنطباع الشخصيّ الأوّلي، أصدر حكمه عليه، فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم من مكانته وكونه محطّ أنظار الناس، ما يجعله جديراً بقبول شافعته، والحرص على مصاهرته.


سكت النبي صلى الله عليه وسلم سكوت مربٍّ يرى أن وقت التوجيه لم يحن بعد، وأن الدرس الذي يريد أن يرسم ملامحه يستدعي إكتمال الصورة بمثلٍ آخر مغاير لحال الرّجل الأوّل، وجاءت الفرصة سريعاً عندما مرّ رجلٌ آخر من فقراء المسلمين، رثّ الثياب، مهضوم الجانب، معدوم الحيلة، تلمح في قسمات وجهه آثار الإجهاد والمشقّة، وفي تصرّفاته البساطة والتواضع، فيعيد النبي صلى الله عليه وسلم سؤاله للصحابي عن رأيه، فيجيب بأنه لا مكانة له عند الخلق، وأنه لن يجد لقوله آذاناً تسمع، ولا لشفاعته نفساً تقبل، ولا مطمع في مناسبته ومصاهرته.


وهنا يقف النبي صلى الله عليه وسلم موقفاً يعيد الأمور إلى نصابها، ويهدف به أن يوسّع المدارك، حتى تتجاوز النظر إلى قشور المظهر أو المكانة لتنفذ إلى لبّ الرجال ومعادنهم: «هذا خير من ملء الأرض مثل هذا».



إضاءات حول الموقف:


يؤصّل النبي صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الموقف المشرق، المقياس الحقيقي في القرب والبعد من الله عزّ وجل، ألا وهو التقوى والإلتزام بحدود الشرع أمراً ونهياً، مستمدّاً ذلك من قوله تعالى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13]، وهذا هو الميزان الحق الذي يتفاضل به الناس، والميزان السماوي الذي يُسقط كلّ المقوّمات الأرضيّة ولا يجعل لها إعتباراً، ومحلّ النظر الإلهيّ يكون للجوهر لا للصوره، قال عليه الصلاة والسلام: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم، فلا قيمة للنسب ولا قيمة للجاه ولا للقوّة أو الصحّة ولا لغيرها، إذا تعرّى الإنسان من إيمانه وأخلاقه، وفضائله ومبادئه.


وبإستيعابنا لهذا الميزان الدقيق، نُدرك حقيقة التقييم الوارد في نصوص الشرع، لنماذج بشريّة: سقط إعتبارها في الميزان السماوي، كمثل ذلك الرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة، لا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرؤوا إن شئتم {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} [الكهف:105]» متفق عليه، وقريبٌ منه: النموذج النفاقي، الذي جاء وصفه في القرآن الكريم: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم} [المنافقون:4] فهم من القوّة والفصاحة ما يُعجب الناظرين، ويُبهر السامعين، ومع ذلك فمآلهم الدرك الأسفل من النار.


ونستلهم مما سبق: أن الأكرم عند الله تعالى والأقرب إليه والأتقى له، هو الذي يستحقّ منّا الرعاية والإهتمام، والإعجاب والحفاوة، وإن قلّ نصيبه من الدنيا، ولرُبّ رجلٍ أشعث أغبر، لا يُعدل به ألف رجل، لو أقسم على الله أبرّه:

ترى الرجل الخفيف فتزدريه *** وفي أثوابه أسد هصور


ويعجبك الطرير فتبتليه *** فيخلف ظنك الرجل الطرير


لقد عظم البعير بغير لب *** فلم يستغن بالعظم البعير

المصدر: موقع إسلام ويب.


 

توقيع : أبـو حفـص
بارك الله فيك اخي رعد علي الموضوع القيم
المرء بأصغريه قلبه ولسانه،
لكن لي تصحيح بسيط لابيات الشعر

ترى الرجل النحيف فتزدريه ** وفـي أثـوابه أسد هصورُ

ويـعجبك الـطرير إذا تراه ** فيخلف ظنك الرجل الطريرُ

بـغاث الطير أطولها رقاباً ** ولم تطل البزاة ولا الصقورُ

خشاش الطير أكثرها فراخاً ** وأم الـصقر مـقلات نزورُ

ضعاف الأسد أكثرها زئيراً ** وأصـرمها اللواتي لا تزيرُ

وقـد عظم البعير بغير لب ** فـلم يـستغن بالعظم البعيرُ

يـقوّده الـصبي بكل أرض ** وينحره على الترب الصغيرُ

فـما عظم الرجال لهم بزين ** ولـكن زيـنهم كـرم وخيرُ


وهي لشاعر عربى عاش في المدينة المنورة لقب بـ "كُثــيـّـر عزة" ، واسمه الحقيقي كثير بن عبد الرحمن بن الأسود بن عامر بن عويمر الخزاعي ، و الذي كان عاشقا متيما لعزة بنت جميل بن حفص بن إياس الغفارية الكنانية
 
توقيع : tayeb62
الف شكر يا استاذى الفاضل
 
توقيع : سيد ابوعلى
بارك الله فيك اخى الغالى رعد

:rose::star::rose:
 
توقيع : ABU_SomaiaABU_Somaia is verified member.
مشاركة مميزة أخي الغالي
 
توقيع : SASA G

يجب عليك تسجيل الدخول أو التسجيل لمشاهدة الرابط المخفي


جزاك الله خير الجزاء يا حبيب على الإضافة القيمة الطيبة
أرقى التحيات العبقة لك يا غالي :rose:
 
توقيع : أبـو حفـص

يجب عليك تسجيل الدخول أو التسجيل لمشاهدة الرابط المخفي


طيب الله ممشاك يا طيب

يجب عليك تسجيل الدخول أو التسجيل لمشاهدة الرابط المخفي


الشكر موصول لك أستاذي على مرورك العطر

يجب عليك تسجيل الدخول أو التسجيل لمشاهدة الرابط المخفي


حياك الله يا غالي وبارك فيك وبك :rose::rose::rose:

يجب عليك تسجيل الدخول أو التسجيل لمشاهدة الرابط المخفي


المميز مرورك الطيب يا طيب الأصل
 
توقيع : أبـو حفـص
عودة
أعلى