اخي، اختي في الله إن الإمساك عن الطعام والشراب في رمضان ليس هدفاً في ذاته، بل هو وسيلة لرقة القلب وانكساره وخشيته لله، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجه في أن يدع طعامه وشرابه" كما في البخاري، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيام من الطعام والشراب إنما الصيام من اللغو والرفث" رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم،، فهل الهدف من صيام رمضان واضح لك الآن ؟؟ هذه هي حقيقة الصيام فلا تحرم نفسك منها أيها الأخ؛ أما إن كان الأمر ترك الطعام والشراب فما أهون الصيام، ولكن إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك من الكذب والمحارم؛ وجماع ذلك خوف القلب من الله ومراقبته، وإلا فتنبه وأحذر فربما دخلت في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ربَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر"، نعوذ بالله من حال هؤلاء.. والحديث أخرجه النسائي وابن ماجة وابن خزيمة وابن حبان وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري إذا؛ فليس رمضان إمساك عن الطعام والشراب فقط؛ وسجوداً وركوعا، والقلب هو القلب قاس عاص غافل لاه، الغناء يطرب الآذان، وللعينين أُطلق العنان، واللسان غش وكذب وغيبته نميمة وسب ولعان. وصدق من قال: فحظي إذا من صومي الجوع والظمأ *** فإن قلت إني صمت يومي فما صمت ُ إذا لم يكن في السمع منى تصامم *** وفى العين غض وفي منطقي صمتُ فأف ثم أف لنفوس لم يهذبها الجوع ولم يربها السجود والركوع، فالصيام تدريب للنفوس وتعويد لها على الصبر وترك الشهوات. يدخل رمضان ويخرج وبعض النفوس لم تتغير، يجوع ويعطش وقلبه هو قلبه، ومعاصيه هي معاصيه، وربما يركع ويسجد، ويسهر ويتعب وحاله هي حاله، ولسانه هو لسانه.. نعوذ بالله من حال هؤلاء. فلو قيل لأهل القبور تمنوا، لتمنوا يوماً من رمضان، وهؤلاء؛ كلما خرجوا من ذنب دخلوا في آخر، بل ربما لا تحلو لهم الشهوات والفتن في المعاصي والسيئات إلا في شهر رمضان والله المستعان.
يا احبة .. أما تنفعكم العبر؟ أما عصيتم وستر؟ اعرفوا قدر من قدر..
فقد آن الرحيل وأنتم على خطر، لكن عند الممات يأتيكم الخبر؛
نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل.
قال ابن رجب -رحمه الله- : "كل قيام لا ينهى عن الفحشاء والمنكر،
لا يزيد صاحبه إلا بعداً، وكل صيام لا يصان عن قول الزور والعمل به،
لا يورث صاحبه إلا مقتاً ورداً، يا قوم أين آثار الصيام!! أين أنوار القيام!!
إن كنت تنوح يا حمام الباني للبين أين شواهد الأحزان!! أجفانك للدموع أم أجفاني،
لا تقبل دعوى بلا برهان" انتهى كلامه رحمه الله .
ليس الصيام في الإسلام لتعذيب النفوس، بل هو لتربيتها وتزكيتها ولينها ورقتها، فالقرآن يعلمنا أن الصوم إنما فرض لنذوق طعم الإيمان ونشعر براحة القلب وسعادة النفس ولذة الحياة وكل ذلك في مراقبة الله والخوف منه، فتقوى الله اعظم كنز يملكه العبد في الدنيا،
وليس أشقى والله على وجه الأرض ممن يحرمون طمأنينة الأنس بالله بتقوى الله.
وقد يقول قائل؛ كيف نصل للهدف؟ أو كيف تحصل ثمرة الصيام (تقوى الله)؟
فأقول؛ علاقة الصيام بتقوى الله تظهر من وجوه كثيرة فأرعني سمعك وانتبه لهذه الأسئلة..
ألا يمكن وأنت صائم في نهار رمضان أن تختفي عن أعين الناس فتأكل وتشرب وتفعل ما تشاء لا يعلم بك أحد من الناس ولا تطلع عليك عين من عيون الخلق؟؟ اسأل نفسك ما الذي يمنعك؟ ما الذي يردك؟ لأنك تعلم أن الله يراك ومطلع عليك ويعلم ما تخفي وما تعلن..
أليس في هذا تربية للقلب؟ وارتباط بخالقه وخوفه وخشيته ومنه؟ أليس من صام بمثل هذه المعاني وبمثل هذه المشاعر إزداد صلة بالله وخشية وخوفاً من الله وازداد تذوقاً بصيام رمضان وراحة للنفس والبال؟ وهذا اعظم زاد للروح، فالصوم أمر موكول إلى نفس الصائم لا رقيب عليه إلا الله، فهو سر بينك وبين ربك، سر بين العبد وربه، ولولا استشعاره لرقابة الله وانه يراه لما صبر عن هذه الشهوات.
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليَّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة *** ولا إن ما تخفي عليه يغيب لهونا لعمر الله حتى تتابعت *** ذنوب على آثارهم بذنوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى *** ويأذن في توباتنا فنتوب
سؤال ثان ؛ عند الوضوء للصلاة، وفى المضمضة والاستنشاق،
لماذا تحرص أيها الأخ الحبيب أن لا يفوت إلى حلقك قطرة ماء؟
لماذا كل هذا الحرص مع انه لا يطلع عليك أحد من الناس ولا يعلم بك أحد لو أدخلت جرعة ماء فكيف بقطرة؟
سبحان الله من علمك هذا الأدب؟
من علمك هذا الحرص العجيب؟
إنها رقابة الله، فأنت على يقين انه يرى قطرة الماء هذه لو سالت إلى حلقك، فيا سبحان الله.
إننا نرى المرأة في رمضان، نراكِ أيتها الأخت الكريمة من بعد صلاة الظهر إلى غروب الشمس، وأنت في مطبخك تقفين أمام أصناف المأكولات والمشروبات تراها بعينيها، وتشم روائحها المغرية بأنفسها،
وربما ذاقت ذلك بطرف لسانها فأخرجته بحركة سريعة عجيبة سبحان الله تأملوا هذا الموقف..
تأمليه أيتها الأخت هي جائعة وعطشى ولوحدها لا يراها أحد من الناس،
فلماذا لا تمد يدها فتأكل وتشرب؟ من الذي يمنعها؟ من يردها؟
إنها حلاوة الروح، حلاوة الروح بصلتها بالله،
بخوفها من الله فهي تعلم أن الله يراها ومطلع عليها ويعلم حالها،
فأي تهذيب وأي تأديب هذا الذي أحدثه الصيام في النفوس؟
فما رأيكن أيتها الصائمات هل عرفتن لماذا نصوم!!
إذا فخلاصة الأمر نقول؛ أن تجويع عن الشهوات بجميع انواعها لبضع ساعات فيه حياة الروح.. فيه حياة للقلب.
فنحن نأكل لنعيش ولسنا نعيش لنأكل،
ومن ذاق حلاوة الروح وراحة القلب، بان له الفرق، فانكسار النفس وخلو البطن وتضييق مجارى الدم فوائد للصيام،
مفادها حياة الروح المتمثلة برقة القلب ولينة وخوفه وخشيته من الله جل وعلا.
وإذا ملك العبد قلباً بهذه الصفات،انضبط قوله وفعله وحاله، إذ لا يمكن أبدا أن يمتثل لترك هذه الشهوات؛ الطعام والشراب والجماع، وهى حلال فيتعداها إلى الحرام من كذب وظلم وغش ومشاهدة للحرام وسماع للغناء، سواء كان في الليل أو النهار، وسواء كان في رمضان أو غير رمضان،
فنرى من صلى وصام وترك الشراب والطعام في رمضان لعلمه أن الله رقيب عليه، مطلع عليه، سيترك الحرام في غير رمضان أيضاً لأن الله لا يزال مطلعاً عليه، وعليماً لحالة؛ وهنا يشعر الإنسان بلذة الصيام؛ هنا تشعرين أيتها الأخت بلذة شهر رمضان، وبالمعاني الجميلة لشهر رمضان فهي تصوم لبناء ذلك السد المنيع بين النفس وشهواتها وصدق بشر بن الحارث بقوله: "ولا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سداً"، هذا السد هو خوف الله ومراقبته في السر والعلن، هذا السد الذي جعلك في رمضان تمسك عن الطعام والشراب بهذه الدقة العجيبة، هو السد الذي جعل ذلك الرجل في غير رمضان والمرأة ذات المنصب والجمال تدعوه فيقول لها: "إني أخاف الله" مع وجود المغريات فهي ذات منصب وذات جمال، وهى التي تدعوه؛ لكنها تقوى القلوب؛ لكنها حياة الإيمان؛ لكنه الخوف من الله الذي من أجله فر الصيام..
فأين حال هذا الرجل من حال أولئك الذين لا يجدون لملاحقة النساء وبنات المسلمين لذة إلا في شهر رمضان؛
نعوذ بالله من حال هؤلاء.. هدانا الله وإياهم لما فيه الحق واتباع هذا الدين.
هذا السد هو الذي جعلك تحرص على صلاة الجماعة في رمضان،
هو السد نفسه الذي جعل تلك الصغيرة في غير رمضان تمتنع عن مزج اللبن بالماء وتقول كلمتها المشهورة
"إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا".
هذا السد الذي جعلك أيتها المرأة المسلمة توخيت كل الحرص على ألا يفوت لحلقك شئ من الطعام
عند المذاق خوفاً ومراقبة لله في رمضان،
هو السد المنيع الذي جعل تلك المرأة تمتنع في غير رمضان عن الوقوع في الزنا
لما غاب عنها زوجها طويلاً مع جيش المسلمين وكانت تردد هذه الأبيات:
تطاول هذا الليل وأسود جانبه *** وأرقني ألا خليل ألاعبه
فو الله لولا الله أنى أراقبه *** لحرك من هذا السرير جوانبه
ولكن تقوى الله عن ذا تصدني *** وحفظاً لبعلي أن تنال مراكبه
قال ابن القيم: "بالحب والخوف والرجاء يذوق المسلم حلاوة الإيمان، ومن استطال الطريق ضعف مشيه" انتهى كلامه رحمه الله
إذا فلماذا نخاف الله ونراقب الله في رمضان، ونصوم ونصلى ونفعل الخير كله ونهمل؛ بل ويترك البعض ذلك في غير رمضان، عجيب أمر تلك النفوس، إن الله الذي يطلع عليك في رمضان يطلع عليك في رجب وشعبان وغيرهما من الشهور.
فالله فرض الصيام ثلاثين يوماً تدريباً وتذكيراً للنفوس برقابة الله عليها، وصدق الله: "لعلكم تتقون" أي من أجل أن تتقوا، ومن لم يصم بهذه المعاني فليتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الآنف الذكر؛ "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر" أيهـا الراجي ثمار الصوم أعط الصوم حقه من خشوع واصطبار والتداد بالمشقــة وانطلاق في سبيل العيش في رفق ورقة طارحاً عن روحك المغلـول بالشهوات رقة إن في هذا لعبد الجسـم طول العام عتقه قصص من ذاقوها !!
هذا الطرح مقتطف من -روحانية صائم -رمضان- ** اسلام ويب **
نصيحة بمناسبة شهر رمضان السؤال: ما هي الكلمة التي توجهونها للأمة الإسلامية بمناسبة شهر رمضان؟ المجيب عبد العزيز بن باز - رحمه الله -
الجواب: بسم الله والحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه أما بعده:
فإني أنصح إخواني المسلمين في كل مكان، بمناسبة دخول شهر رمضان المبارك بتقوى الله عز وجل،
والمسابقة إلى كل خير، والتواصي بالحق والصبر عليه، والتعاون على البر والتقوى،
والحذر من كل ما حرم الله من سائر المعاصي في كل مكان وزمان ولا سيما في هذا الشهر الكريم،
لأنه شهر عظيم، تضاعف فيه الأعمال الصالحات، وتغفر فيه الخطايا لمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً. لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -:
"إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين".
وقوله – صلى الله عليه وسلم –
" الصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" .
وقوله – صلى الله عليه وسلم - يرويه عن ربه عز وجل :
**كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشرة أمثالها إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به**
ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه،
ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
وكان – صلى الله عليه وسلم – يبشر أصحابه، بدخول رمضان يقول لهم:
"أتاكم شهر رمضان، شهر بركة، ينزل الله فيه الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء،
ويباهي الله بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله" .
وقال صلى الله علبه ويلم:
"من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" . والأحاديث في فضل شهر رمضان والترغيب في مضاعفة العمل فيه كثيرة.
فأوصي إخواني المسلمين: بالاستقامة في أيامه ولياليه، والمنافسة في جميع أعمال الخير،
ومن ذلك الإكثار من قراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل،
والإكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار،
وسؤال الله الجنة والتعوذ به من النار وسائر الدعوات الطيبة.
كما أوصي إخواني أيضاً: بالإكثار من الصدقة ومواساة الفقراء والمساكين، والعناية بإخراج الزكاة وصرفها في مستحقيها،
مع العناية بالدعوة إلى الله سبحانه وتعليم الجاهل،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق والحكمة والأسلوب الحسن،
مع الحذر من جميع السيئات ولزوم التوبة والاستقامة على الحق
عملاً بقوله سبحانه:
"وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" الآية [النور: 31].
وقوله عز وجل:
"إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ *
أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" [الأحقاف:13-14]. وفق الله الجميع لما يرضيه، وأعاذ الجميع من مضلات الفتن ونزغات الشيطان، إنه جواد كريم.
[مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى (3/147-148)].