• بادئ الموضوع بادئ الموضوع roufaida
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
  • المشاهدات 32

roufaida

زيزوومي VIP
الأعضاء النشطين لهذا الشهر
إنضم
31 يناير 2008
المشاركات
5,601
مستوى التفاعل
1,524
النقاط
1,420
غير متصل

في وسط المدينة والريف والجامعة ودور العبادة، الجميع يحمل هاتفه الذكي المزود بكاميرا متطورة عالية الدقة أو هاتفه الغبي -لكن الكاميرا متطورة وعالية الدقة- ليصور أقصى لحظات سعادته وعمق مأساته، لحظاته العابرة، ورقة شجر على كرسي في المحطة، او ربما صفحة من كتاب فلسفي لم يقرأ غيرها.. ظاهرة تفريغ الذكريات من العقول وتعبئتها في الهواتف بالتقاط الصور، لنقل "هوس الصورة" ..​

حين كنت أجلس مع جدتي قديما كنت أستمع إلى شريط الذكريات الاكثر دقة على الاطلاق مشحونا بكمية من الامثال والحكم تلك التي تشربتها من خلال جميع ما عاشته طول الثمانين أو التسعين حولا التي مضت من حياتها، تتذكر جدتي الحدث قبل الاربعين والخمسين عاما بشخوصه؛ أصواتهم وضحكاتهم ولباسهم بالألوان، لماذا لم تحتج هاتفا ذكيا لتصور كل ذلك؟ ولماذا كل ذلك محفور في ذاكرتها!!​

ذلك الجيل قبل جيلين عاشوا بمشاعر صادقة حاضري العقل منفتحي الأذهان فتمكنوا من قلب اللحظة وتمكنت منهم،​

كانوا يعيشون الحياة فيألمون ويفرحون ويبكون ويضحكون، فترسخ فيهم تلك الانفعالات والحالات الوجدانية، لتصير ذكرى يتسامرون بها مع أحفادهم..​

اليوم تعيش هواتفنا الحياة بدلا عنا، نحزن في منشور ونبتسم في آخر، ونستمتع بشرب القهوة في فيديو, وفي لحظة ما يتعطل ذلك الجهاز ويأخذ معه حياتنا ولحظاتنا ومشاعرنا المخزنة فيه، فنكتشف واقعا رماديا فارغا من كل معنى غارقا في المأساوية أو اللاشيء لأننا لا نعرف عن حقيقته شيئا -هواتفنا من كانت تعرف-؛ شعور قاتل بالفراغ والتيه والضياع يتسلل إلينا، وسؤال واحد يتردد في الذهن كيف أعيد إلى نفسي حالة توازنها؟ والاكيد أن الجواب واضح ستركض في الأرجاء تبحث عن بديل لهاتفك المعطل يعيدك إلى حالة الوهم السعيد التي كنت تعيشها، حالة الهوس بكل ماهو غيري والهروب من كل ما يفتح باب "أناك" تخشى معرفتها وانكشافها أمامك، تركض بعيدا عن نفسك وحياتك.. تريد جدارك وحصن الامان الخاص بك .. ولن تمضي عليك الساعة الا وقد حصلت على بديل تلتقط به صورة وانت تشعر بالأسى على صورك القديمة الضائعة وقد عدت الى نظامك المعتاد...​

خلال تلك الساعة بين الهاتف القديم والهاتف الجديد جربت أصدق حالاتك الشعورية وأقربها إلى الواقع وأكثرها أثرا في نفسك وربما تكون الذكرى الوحيدة التي امتلكتها في شبابك لأنك ستحرص ألا تعيشها مجددا..!​

 

توقيع : roufaida
  • Like
التفاعلات: fi9o
الحديث عن "هوس الصورة" يعكس نوعًا من الانفصال بين الواقع والتجربة الحقيقية. التكنولوجيا تمنحنا إمكانية حفظ اللحظات، ولكنها في نفس الوقت قد تجعلنا نعيش في فقاعة أو وهم، حيث تقتصر حياتنا على تجميع صور وفيديوهات، دون أن نغمس في لحظات الحياة الحقيقية بكل عمقها.


عندما نتحدث عن جيل جدتك، نجد أن الذكريات كانت تنتقل عبر الحكايات والكلمات، كانت تُصاغ في العقل البشري بطريقة أكثر عمقًا وصدقًا. الذكريات كانت مشبعة بالعواطف، محفورة في الذاكرة بشكل لا يمكن لأي كاميرا أن تنقله كما هو. كانت تلك اللحظات تحدث تأثيرًا حقيقيًا في النفس، والمرء كان يعي ويدرك ما يعيشه بوعي كامل، كما في لحظة الألم أو الفرح، كانت لحظات حقيقية بعيدة عن وسائط التكنولوجيا.


لكن في زمننا هذا، أصبحنا نعيش في عالمٍ من الصور السطحية. من خلال الهواتف، أصبحت اللحظات تُلتقط وتُخزّن، لكن مع مرور الوقت قد نكتشف أن جزءًا كبيرًا منها كان مفقودًا من تجربتنا الفعلية. على سبيل المثال، كيف يمكن أن نتذوق جمال لحظة ما ونحن مشغولون بتوثيقها فقط؟ هل هي اللحظة التي نعيشها فعلاً أم هي الصورة التي نراها على الشاشات؟


أما عن تجربة هاتفك المعطل، فهي تشير إلى حقيقة مريرة: عندما نفقد وسيلتنا للتوثيق والمشاركة، نكتشف فجأة كم كانت حياتنا "مربوطة" بتلك الأدوات. ليس فقط التواصل الاجتماعي أو الترفيه، بل الشعور بالأمان النفسي الذي يأتي من القدرة على التوثيق والتعبير. وعندما يتعطل هذا الجهاز، يظهر الفراغ، وتبدأ الأسئلة تتردد عن تلك الذكريات التي قد تكون فقدت معناها.


هل تعتقد أن التكنولوجيا قد أضعفت قدرتنا على العيش في الحاضر؟ أو ربما هي مجرد وسيلة أخرى لتهريب أنفسنا من مواجهة واقعنا الداخلي؟
 
عودة
أعلى