malek bennabi

زيزوومي جديد
إنضم
6 أغسطس 2025
المشاركات
35
مستوى التفاعل
79
النقاط
40
غير متصل
1757582588287.webp


تشكل الأخلاق جمع خلق ركنا أساسيا من أركان الوجود الاجتماعي، ونسقا حيويا في نسيج الحياة الإنسانية المعاصرة. فالأخلاق نظام من القيم يوجه حياة الفرد وينهض بها إلى أرقى مستوياتها الإنسانية. والإنسان لا يحقق جوهره الإنساني إلا في صورته الأخلاقية، لأنه الكائن الوحيد في مملكة الكائنات الحية الذي يضحي برغباته وميوله على مذابح السمو الأخلاقي، سعيا إلى تجسيد قيم الحق، والخير، والجمال، والشرف، والكرامة، والإيثار، والتسامح، والشجاعة، وكل القيم والفضائل التي تشكل جوهر الحياة الأخلاقية وغايتها.

لقد أقرّ المفكرون والباحثون، على مرّ التاريخ الإنساني، أن حياة المجتمعات الإنسانية لا تستقيم من غير القيم الأخلاقية، وذلك لأنها تشكل النسيج الحيوي لوجود الإنسان والمجتمع في آن واحد. ومن هذا المنطلق يمكن القول : إن غياب القيم الأخلاقية أو تدهورها يؤدي بالضرورة إلى تصدع المجتمع وانهياره وتداعيه. إذ لا يمكن أن تقوم للمجتمع قائمة، من غير القيم الأخلاقية، ومن غير الفضائل التي تضمن له التماسك والوحدة والقوة والانسجام، وقد عبر شوقي خير تعبير عن هذا التصور السوسيولوجي للعلاقة بين الحضارة والأخلاق بقوله:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت…… …….. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

لقد ربط الإسلام الأخلاق الكريمة بمعاني العقيدة السليمة؛ كي يكتب لها الدوام والاستمرارية، وتثبت في قلب المؤمن، وحتى تؤتي أكلها وثمارها اليانعة، تأمل معي قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)[إبراهيم: 24-25].

ولما للأخلاق من أهمية في الاسلام يربط الله سبحانه وتعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم - بين الإيمان وحسن الخلق ، ففي الحديث لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم : أي المؤمنين أفضل إيمانا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : "أحسنهم أخلاقاً " [رواه الطبراني في الأوسط ] .

ثم إن الإسلام عدّ الإيمان برًّا، فقال تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)(البقرة: 177)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " البر حسن الخلق " [ رواه مسلم ]. والبر صفة للعمل الأخلاقي أو هو اسم جامع لأنواع الخير.

وكما نجد الصلة بين الأخلاق والإيمان ، نجدها كذلك بين الأخلاق والعبادة إذ إن العبادة روح أخلاقية في جوهرها؛ لأنها أداء للواجبات الإلهية. ونجدها في المعاملات - وهي الشق الثاني من الشريعة الإسلامية بصورة أكثر وضوحاً .
وهكذا نرى أن الإسلام قد ارتبطت جوانبه برباط أخلاقي ، لتحقيق غاية أخلاقية، الأمر الذي يؤكد أن الأخلاق هي روح الإسلام ، وأن النظام التشريعي الإسلامي هو كيان مجسد لهذه الروح الأخلاقية .
وقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – حسن الخلق من أحسن خصال الإيمان، كما خرج الإمام أحمد وأبوداود من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – عليه الصلاة والسلام – قال: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقًا). وخرج «محمد بن نصر الروزي» وزاد فيه (أن المرء ليكون مؤمنًا وأن في خلقه شيئًا فينقص ذلك من إيمانه). وأخرج أحمد وأبوداود والنسائي وابن ماجه، قالوا يا رسول الله: ما أفضل ما أعطي المرء المسلم، قال (الخلق الحسن).
وأخبر عن النبي – عليه الصلاة والسلام – أن صاحب الخلق الحسن يبلغ بخلقه درجة الصائم القائم، فخرج الإمام أحمد وأبوداود من حديث عائشة عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجات الصائم القائم) وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق).
ولم يدع الإسلام إلى مبدأ، أو حكم وتشريع معين، ويكثر في دعوته إليه، إلا إذا كان له دور كبير في إصلاح الفرد والمجتمع في الدنيا وفلاحه في الآخرة، ولذا قال عليه الصلاة والسلام: (وخالق الناس بخلق حسن) لما في مخالقة الناس بالخلق الحسن من إصلاح المجتمع، ولو راعى الناس جميعًا في معاملاتهم الخلق الحسن لذهب الخلاف وقضي على المنازعات والمشاحنات فيما بينهم، والتي تستهلك أموالهم وطاقاتهم، وكان عليهم أن يوجهوها وجهة أخرى أنفع لهم ولمجتمعهم، ففي أبسط صورة فإن مخالقة الناس بخلق حسن، تستوجب على الفرد، أن يأخذ بالعدل حقه، ويعطي بالمعروف حق الآخرين. والواقع العملي يؤكد لنا دور الخلق الحسن في تقدم المجتمعات وتحضرها، وبالعكس من ذلك في المجتمعات المتخلفة حيث افتقدت القيم واختلت المعايير واختلط الخبيث بالطيب، والحلال بالحرام، في المعاملات اليومية الاجتماعية منها والتجارية، حتى غاصت في مستنقع التخلف والأزمات.

وقال ابن القيم رحمه الله: الدِّينُ كلُّه خلق كريم، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين. وسُئل صلي الله عليه وسلم عن الدِّين فأجاب: «حسن الخلق»رواه احمد وابن حبان

وسُئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق الرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: «كان خلقه القرآن»رواه احمد ومسلم وابو داوود

والخلق الحسن الكريم أن يسيطرَ المسلمُ بروحه على بدنه، ويسمو بنفسه فوقَ حِسّه، ويُحسن الوفاقَ بين عقله وقلبه، فإذا هو سليم الفؤاد، حكيم المقال، رشيد الفعال، لديه من الحصانة الإيمانية والخُلُقية ما يجعلُه يتأبَّى على كل خطيئة أو إثم، ويدفع كل شبهة أو تشكيك. ولديه من نور البصيرة والهداية ما يجعله أهلاً لرحمة الله في دنياه وأخراه.

وفي القرآن الكريم تفصيل للأخلاق الكريمة، كسورة الحجرات والنساء والنور، وإجمال في كثير من سوره، وبينَ شتَّى الأحكام والموضوعات، وإيجاز معجز في بعض الآيات، كما في قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف: 199].

وجعل الله -سبحانه- الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنة العالية، يقول الله -تعالى-: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.

يقول تعالى:(الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 133-134].

وأمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34].

وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: (اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن) [الترمذي].

به تنال درجة العابدين فقد قال صلى الله عليه وسلم: )) إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل ، صائم النهار ((السلسلة الصحيحة
إن أثقل ما يوضع في ميزانك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال)):ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق ((صحيح الترمذي

ويجعلك أحب الناس إلى الله، و تكون به أقرب الناس مجلسًا إلى النبي فعن النبي صلى الله عليه وسلم قال)) :ألا أخبركم بأحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة؟!)) قالوا: بلى، قال: ((أحسنكم خلقًا)) ((صحيح الترغيب)
حسن الخلق طريقا من طرق دخول الجنة بل بلوغ الدرجات العلى فيها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم)):(أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) رياض الصالحين

فعلى المسلم أن يتجمل بحسن الأخلاق، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أحسن الناس خلقًا، وكان خلقه القرآن، وبحسن الخلق يبلغ المسلم أعلى الدرجات، وأرفع المنازل، ويكتسب محبة الله ورسوله والمؤمنين، ويفوز برضا الله -سبحانه- وبدخول الجنة.

جعلنا اللّه وإياكم ممن قال فيهم الرسول صلى اللّه عليه وسلم: { إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً } [رواه أحمد والترمذي وابن حبان].

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
 

بارك الله فيك وجزاك الله خيرا
 
توقيع : alranteesi
عودة
أعلى