غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي


حديث الزبير بن عدي -رحمه الله- قال: أتينا أنس بن مالك رضى الله عنه فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم ﷺ" رواه البخاري.
أتوا إلى أنس بن مالك رضى الله عنه ، وهو ممن تأخرت وفاته وأدرك زمن الحجاج، ورأى ما رأى الناس من المظالم، والقتل الذريع، وقد وصف النبي ﷺ ذلك الرجل الذي يخرج من ثقيف بأنه مُبير، حيث أخبر ﷺ أنه يخرج من ثقيف مُبير وكذاب ، أما المبير فهو الذي يكثر القتل، يُبيد الناس، وهو الحجاج، وأما الثاني الكذاب فهو المختار الثقفي، فقد كان غاية في الكذب، كان قائدًا لابن الزبير أيام خلافته، وابن عمر كان متزوجًا بأخته ثم بعد ذلك تغيرت حاله، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، بهذه المنزلة، وبهذه القرابة، وهو قائد لابن الزبير وقتل كثيرًا من قتلة الحسين رضى الله عنه ثم ادعى أنه يوحى إليه، حتى إن ذلك بلغ عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقال: صدق، فإن الله يقول: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ [سورة الأنعام:121] هذا من وحي الشياطين، وكان إذا أخبر الناس عن شيء من الأمور الغيبية ثم لم يقع قال -قبحه الله: "قد بدا لله في هذا الأمر ما بدا" ، يعني كأن الله سبحانه وتعالى قد غير حكمه ورجع عما أراد قضاءه، وهذا -أعوذ بالله- في غاية الجرأة على الله -تبارك وتعالى.
فالحاصل أنهم شكوا إليه ما يلقون من الحجاج فقال: "اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم"، هنا نسب الشر إلى الزمان "إلا والذي بعده شر منه"، مع أن ذلك لا يضاف إلى الزمان من حيث الأصل، ولذلك لا يجوز سب الدهر؛ لأن الله هو الذي يصرف الليالي والأيام، ولكن المقصود بذلك الوصف، فالفساد والشر يقع في أهل الزمان، وإلا فإن الزمان هو هو، ولكن الناس هم الذي يتغيرون، ولهذا لا بأس على سبيل الوصف أن يقال: هذا زمان سوء، أو أن يقال: هذا يوم عصيب، وما أشبه ذلك كما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى : وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ [سورة هود:77]، فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ [سورة القمر:19] وما أشبه ذلك على سبيل الوصف لا على سبيل الذم والسب للدهر، فهذا لا يجوز، وهذا هو الفرق بين هذين الأمرين.
الحاصل أنه قال لهم بأسلوب الحصر: "لا يأتي زمان إلا والذي بعده"، وهذه أقوى صيغة من صيغ الحصر، معناها لا يكون زمان إلا والذي بعده قطعًا أسوأ منه، ولكنه أُشكل على هذا أن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- جاء بعد الحجاج، وزمن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- كان زمن العدل حتى عُد في الخلفاء الراشدين، وكان آية في العدل، ووصل إلى الناس حقوقهم، وصار الرجل يخرج بماله، بزكاته لا يجد من يقبل ذلك عنه، فقد اغتنى الناس في زمن عمر حتى إنه كما قال الإمام أحمد في المسند: وُجد في خزائن بني أمية لما سطا عليها بنو العباس، وُجد صرة فيها حب قمح الواحدة كالنواة، وقد كتب عليها رِقعة: هذا يخرج أيام العدل، يقال: إن ذلك كان من زمن عمر بن عبد العزيز -رحمه الله.
لفضيلة الشيخ : د / خالد بن عثمان السبت

