غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي


حديث عبد الله بن عمر وعائشة -رضي الله تعالى عنهما- قالا: قال رسول الله ﷺ: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .
حتى ظننت، أي: من كثرة ما كان جبريل يوصي النبي ﷺ بجاره، أن يحسن إليه، أن يعطيه، أن يواسيه، أن يتفقده، حتى ظن أنه سيجعل له نصيباً من الميراث، يجعله من جملة الوارثين.
كان الميراث في أول الإسلام بالولاء الذي يجعله النبي ﷺ بين المهاجرين والأنصار، الرجل إذا جاء مهاجراً كان النبي ﷺ يؤاخي بينه وبين رجل من الأنصار، فيتوارثان دون سائر القرابات، ثم بعد ذلك نسخ هذا، فقال الله سبحانه وتعالى : وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا [الأحزاب:6]، أي: أن توصي إليه، الذي كان بينك وبينه هذه الوشيجة، أو الارتباط أو المؤاخاة توصي له من مالك فيما لا يزيد عن الثلث، لكن لا حظّ له في الميراث.
فالشاهد أن النبي ﷺ ظن من كثرة تأكيد جبريل عليه السلام ، ودعاء النبي ﷺ للقيام بحق الجار أن جبريل سيورث الجار، أي: سيجعل له نصيباً من الميراث
النبي ﷺ ظن من كثرة تأكيد جبريل عليه السلام ، ودعاء النبي ﷺ للقيام بحق الجار أن جبريل سيورث الجار، أي: سيجعل له نصيباً من الميراث، بحيث يقسم الميراث: الجار له السهم الفلاني، والأولاد لهم كذا، والزوجة لها كذا، وما أشبه ذلك، وهذا يدل على عظم حق الجار، وهو معنى مضيّع لدى أكثر الناس، حتى بلغ الأمر إلى أن الإنسان لا يعرف من هو جاره.
والجار: من أهل العلم من حده من كل ناحية من النواحي الأربع بأربعين بيتاً، وهذه مسألة على كل حال عرفية، بمعنى أنه لا زال الناس يتعارفون أن الذي يكون الذي ملاصقاً يقال له: جار، والذي يليه أيضاً يقال له: جار، وهكذا، فمن تجمعهم ناحية متقاربة فإنهم يكون لهم حكم الجوار، والأقرب يكون آكد في الحق، كما يقال في القرابات أيضاً: إن الدائرة الأولى في القرابات هم الآباء والأبناء، والإخوة والأخوات، هذه دائرة، ثم الدائرة التي بعدها: الأعمام والأخوال، ثم الدائرة التي بعدها: أبناء الأعمام وأبناء الأخوال، وهكذا إلى الجد العاشر، الذي يقال: العشيرة، والله سبحانه وتعالى قال لنبيه ﷺ: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214]، فقال لما صعد على الصفا: يا بني عبد مناف ، وعبد مناف هو الجد العاشر للنبي ﷺ، فكان ذلك تحقيقاً لقوله تعالى: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ، فكل من يتناسل من الجد العاشر فهو من عشيرتك، لكن يبقى أن بعضهم أقرب من بعض، فكلما كان أقرب كلما كانت الصلة آكد، فالأم والأب والأبناء والبنات والإخوة والأخوات هؤلاء أولى من الأعمام والعمات، أي: أنه ممكن للإنسان أن يزور الأعمام والعمات إذا كانوا في بلد آخر بالسنة مرة، لكن الأم والأب لا يكفي أن يتصل بهم في الشهر مرة، وكذلك في الجار كلما كان أقرب إلى دارك كلما كان حقه أعظم.
وهذا يدل على كمال هذه الشريعة، حيث إنها تربط أفراد المجتمع ويحصل بها التكافل، والتآلف، واجتماع القلوب، والمحبة، والترابط، فيكون المجتمع قويًّا متماسكاً منسجماً، وهذه من أعظم أسباب السعادة، أن الناس يكونون بهذه المثابة، يحب بعضهم بعضاً، يحسن بعضهم إلى بعض، ولو كان ذلك بالشيء اليسير، كما سيأتي في بعض الأحاديث، وكثير من الناس يتقالّ الشيء الذي يقدمه إلى جاره، فيترك ذلك، ولكن هذا له معنى وأثر بليغ، ويرمز إلى شيء، وهو أن جاره لم ينسه، وكذلك لو أن الإنسان وضع في جواله أرقام الجيران، وصار يتصل عليهم في أماكن الانتظار كمستوصف مثلاً، أو يرسل لهم بعض الرسائل يسأل عنهم، سيكون له أثر بليغ في تقوية الروابط، وجربوا هذا وستجدون أثره، وهي قضايا لا تكلفنا كثيراً من الوقت، والمال، والجهد، رسالة واحدة يمكن أن تضغط بها على الجميع، يكون لها أثر كبير، فالإنسان أحياناً يحقر بعض المعروف وله أبلغ الأثر، لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق .
هذا، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم ، وأن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه.
لفضيلة الشيخ : د / خالد بن عثمان السبت

