ضياء البرق

زيزوومى مميز
إنضم
6 نوفمبر 2012
المشاركات
332
مستوى التفاعل
345
النقاط
520
غير متصل
60bd5e2869d1408fc8f92be03acd1d6c.gif

الثبات على الحق والحذر من الانتكاس
(1)


أيها المسلمون: الإقبالُ على الله، وهناءةُ القلب به، وإلفُ الجوارِح للطاعات، وصُدودُها عن الآثام هو كنزٌ مُعجَّل، وفوزٌ حاضرٌ ومُؤجَّل، ورِبحٌ للإنسان وتوفيقٌ له، وكلٌّ يأملُ أن يُوفَّقَ إلى ما يُرضِي الرحمن، إلا أنه مع ذلك لا بُدَّ أن يُدرِك المُسلمُ أن قلبَه الذي عمرَه الإيمان حِصنٌ مُستهدَف، وجوارِحَه التي تذلَّلت بالطاعة وللطاعة غرضٌ تتربَّصُ به العوادِي. فهي أحقُّ ما حُرِس، وأكرمُ ما حُمِي.



وفي مسيرِ الإنسان إلى ربِّه فتنٌ وبلاءات، ودروبٌ خطَّافةٌ ومزالِق، وتلك سُنَّةُ الله الماضِية: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك: 2]، (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء: 35]. ولا يزالُ المؤمنُ في جهادٍ ما دامَت رُوحُه بين جنبَيْه.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- يُكثِر أن يقول: "يا مُقلِّب القلوب: ثبِّت قلبي على دينِك". فقال رجلٌ: يا رسول الله: تخافُ علينا وقد آمنَّا بك وصدَّقناك بما جِئتَ به؟! فقال: "إن القلوبَ بين أصبعين من أصابِع الرحمن يُقلِّبها كيف يشاء". أخرجه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه.



وفي رواية الترمذي: "يا مُثبِّت القلوب: ثبِّت قلبي على دينِك".



عباد الله: هذه الأحاديثُ وما يُشبِهُها كثير تُحذِّرُ من نكسةٍ لا يزالُ الإنسان منها في خطرٍ، وزيغةٍ مُحتملَةٍ لم يُعصَم منها بعد الأنبياء بشر، إنها حالٌ خافَها الأتقياءُ والصالِحون، وحاذرَها الأصفياءُ الصادِقون.



وكم رأى الناسُ من مصارِع المُنتكِسين، وانهِزام الفاشِلين، وانحِراف من كانوا على الهُدى مُستقيمين! ولا يسقُطُ إلا المهازيل، وعند الابتلاءات تكثُر الانتِكاسات، نعوذُ بالله من الحَور بعد الكَور.



ومن دُعاء المُؤمنين: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [آل عمران: 8].

عباد الله: وإن المُتأمِّل في حال المُجتمع المُسلم يرى ظواهِر ضعفٍ تتخطَّفُ بعضَ أفراده، تتمثَّلُ في رقَّة الديانة، والتفريط في الواجِبات، والتساهُل في المُحرَّمات، والرِّضا بالنقص ومُسايَرة ركبِه أحيانًا. في واقعٍ أترَعَه الإعلامُ بكل تافهٍ يُبعِدُ عن الله، ويُوغِلُ في الغفلة.



وقد يكون ذلك ممن أمضَى شطرًا من عُمره في صلاحٍ واستِقامةٍ، ولكن ما أكثرَ من يرجِعُ أثناءَ الطريق وينقطِع، وهذا قد يتكرَّرُ في زمان استِطالة الباطل، لكنَّه ليس عُذرًا للإنسان أن يكون مُفرِّطًا تجاهَ ربِّه، فكلٌّ سيُحاسَبُ وحده: (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) [مريم: 95].



على أنه لا بُدَّ لكل عاملٍ من فترةٍ، ولا بُدَّ لكل سائرٍ من عثْرة، إلا أن هذا الفُتور لا يصِلُ بالعبد إلى تضييع الواجِبات، أو الخوضِ في المُحرَّمات، وإنما هي حالةٌ تعتَرِي العبدَ في سيرِه إلى الله، وضعفٌ تقتَضِيه طبيعةُ البشر، يدفعُه العبدُ بتذكُّر الآخرة، ويحثُّ الخُطا بعد ذلك إلى ربِّه حتى يصِل إلى دار السلام.



وإن من الغُرور والعُجب: أن يأملَ الإنسانُ من الشيطان، وأن يُزكِّيَ نفسَه بضمان الثبات، وإنما الثباتُ شيءٌ يمُنُّ الله به على من يشاءُ من عباده: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) [إبراهيم: 27].



عن النوَّاس بن سَمعان -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من قلبٍ إلا بين أصبعين من أصابِع الرحمن، إن شاء أن يُقيمَه أقامَه، وإن شاءَ أن يُزيغَه أزاغَه". أخرجه الإمام أحمد، وابن ماجه.


وقد قال الله تعالى لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا) [الإسراء: 74].



ودعا إبراهيمُ -عليه السلام-: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم: 35]، ودعا يوسفُ ربَّه أن يصرِفَ عنه كيدَ النِّسوة.

يتبع .....

فضيلة الشيخ صالح بن محمد آل طالب
 

بارك الله فيك
 
توقيع : MesterPerfectMesterPerfect is verified member.
جزاك الله خيراً وبارك الله فيك
 
بارك الله فيك
 
توقيع : رضا سات
عودة
أعلى