ضياء البرق
زيزوومى مميز
- إنضم
- 6 نوفمبر 2012
- المشاركات
- 332
- مستوى التفاعل
- 345
- النقاط
- 520
غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
بسم الله الرحمن الرحيم
الفطرة السوية طريق السداد والرشاد
(2)
الشيخ فيصل جميل غزاوي
أيها الإخوةُ: لقد جبَل اللهُ الذَّكَرَ والأنثى بخِلقة وطباع وخصائص، يتمايز بها كلٌّ منهما عن الآخَر، قال تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى)[آلِ عِمْرَانَ: 36]، وهذه خلقة الله لا تبديل لخلقته، وقد لَعَنَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال، لكِنْ عندما تنتكس الفطرةُ، فمن الشباب مَنْ يتنكَّر لطبيعته؛ فيتعمَّد مشابهة النساء: متأنثًا في ملبسه، متميعًا في كلامه، متغنِّجًا في ضحكه، متكسِّرًا في مِشيته، وتلحَظ في هيئته ما لا يدلُّ على رجولته، وقد يشتبه عليكَ أمرُه؛ أذَكَرٌ هو أم أنثى؛ ممَّا يبدو لكَ من مظهره، وكذلك من الفتيات مَنْ تتنكَّر لطبيعتها، وتتخلَّى عن أنوثتها، وتتمرَّد على فطرتها، فتتشبَّه بالرجال فيما يختصُّون به شرعًا أو عرفًا؛ من الكلام، أو الهيئة، أو اللباس، أو غير ذلك.
ومِنْ حكمةِ اللهِ البالغةِ أَنْ خلَق الزوجينِ الذكرَ والأنثى، وفطَر كلًّا منهما على الميل إلى الآخَر، والنكاحُ في الإسلام هو اقتران بين ذكَر وأنثى، وهو فطرة وحاجة إنسانية، يعطي لكلِّ واحدٍ من الزوجينِ حقَّ الاستمتاع بالآخَر على الوجه المشروع، لكِنْ عندما تنتكس الفطرةُ، فمن الشباب -مع استطاعته الزواج- فإنه يعزُف عنه؛ بحجة أنه ارتباط ومسؤولية وله تبعاتٌ، وكذلك مِنَ الفتيات مَنْ ترفض الزواجَ، ولا ترغب فيه معتقدةً أنه كبتٌ للحرية، وتحكُّمٌ في المرأة، وقد يعمَد مَنْ يختار العزوبةَ من الفتيان والفتيات -هداهم الله- إلى علاقات محرَّمة لإشباع نَهمتِهم وتحقيق مطمحهم، وعندما تنتكس الفطرةُ كذلك تُرتَكَب الكبائرُ، وتستساغ الرذائلُ والمناكرُ؛ كعمل قوم لوط والسِّحاق، وما يُعرَف بتبادُل الزوجات، وكذلك ما يُطلَق عليه زورًا وبهتانًا بزواج المثلِيِّينَ، وما هو بزواج، بل شذوذٌ، ومسخٌ للفطرة الإلهية السوية، وتغييرٌ للجِبِلَّة الإنسانية، ومخالفةٌ للغريزة التي وضعَها اللهُ في مخلوقاته، وهكذا فمتى ارتكَسَتْ فطرةُ المرء عاش حياةً هابطةً رخيصةً، لا يُبالي بما صار إليه حالُه من الخِسَّة، والانحطاط الخُلُقيّ.
وممَّا ابتليتُ به مجتمعاتُ المسلمين مؤخرًا، وكان من معاول هدم العلاقات الأسرية، والأواصر الاجتماعية، قيامُ بعض النساء -هداهن الله- بمخالَعة أزواجهم، لغير سبب شرعيّ، أو لأتفه الأسباب؛ بحجة أن تُصبِح المختلِعةُ حرةً غيرَ مقيدة، وقد يُسوِّل لها الشيطانُ بعد مخالعتها زوجَها إقامةَ علاقة محرَّمة مذمومة، تأثُّرًا بشبهات وأفكار مسمومة، تتجرَّع من جرَّائها الويلاتِ، وتجني من ورائها الحسراتِ.
والغَيرة -عباد الله- من طباع الفطرة الإنسانية السوية؛ فالرجل السويُّ يغار على أهله وعِرضه؛ فعندما بلغَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ قولُ سَعْدِ بنِ عُبَادَةَ: "لو رَأَيْتُ رَجُلًا مع امْرَأَتي لَضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ عَنْهُ"، قالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِن غَيْرَةِ سَعْدٍ، فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي..." الحديثَ، لكن عندما تنتكس الفطرةُ، يُضيِّع الرجلُ مسؤوليتَه، فلا ولايةَ ولا قوامةَ، ويُهمِل رعيتَه ولا يغار عليهم، بل يَرى المنكرَ في أهل بيته فلا يتمعَّر وجهُه، وقد جاء في الحديث: "ثَلَاثَةٌ قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَنَّةَ: مُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَالْعَاقُّ، وَالدَّيُّوثُ الَّذِي يُقِرُّ فِي أَهْلِهِ الْخَبَثَ".
إنَّ ممَّا فُطرت عليه النفسُ السويةُ، وجُبلت عليه الطباعُ المَرْضِيَّةُ الأنفةُ من الزنا واستهجانُ فعله؛ ولذلك لَمَّا سأل النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذلك الشابَّ الذي طلَب الإذنَ في الزنا قائلًا له: "أتحبُّه لأُمِّكَ؟ أتحبُّه لابنتِك؟ أتحبُّه لأختِك؟"، كان الشاب يقولُ في كلّ واحدٍ: "لَا، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ"، وهو -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يؤكِّد له أن الناس لا يُحِبُّونه، لا لقريب ولا لبعيد، ولَمَّا بايَع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- النساءَ، وأخَذ الميثاقَ عليهنَّ ألَّا يزنينَ، قالت هندُ بنتُ عتبة: "يا رسول الله، أَوَتَزْنِي الحُرَّةُ؟!"؛ أَيْ: أيُعقَل أن تزني المرأةُ الحرةُ العفيفةُ، وهي تعلَم أنه فاحشةٌ ومنكرٌ وعارٌ، ولكن عندما تنتكس الفطرةَ ترى بعضَ النساء قد أضاعَتْ عفتَها، وباعَتْ عرضَها، ودنَّسَتْ شرفَها، فلا مراعاةَ لفضيلةٍ، ولا امتناعَ عن مقارفة الرذيلة.
يتبع ..
