غير متصل

إن الحكيم هو الذي يتعهد ولده بالتربية والرعاية في الصغر، رجاء أن يجني البر والإحسان في الكبر.
وهناك كثير من النماذج التي حقق فيها الآباء نجاحاً ملحوظاً في تربية أبنائهم، ومن أفضل النماذج التي ننصح بها الآباء ليستخلصوا منها القواعد المثلى في التربية، هي وصايا لقمان الحكيم لولده؛ تلك الوصايا التي بلغ من قدرها عند الله - تعالى - أن خلَّد ذكرها في أعظم كتاب تلقَّته البشرية، وزاد من قدرها أن صاحبها لم يكن رجلاً عادياً؛ بل كان رجلاً شهد الله له بالحكمة، وهي شهادة عظيمة كونها من أحكم الحاكمين، وجعل اسم هذا الرجل عنواناً للسورة التي ذكرت فيها هذه الوصايا، والتي يتلوها ملايين الآباء في كل جيل من هذه الأمة لتكون لهم منهجاً في القيام بالمسؤولية التي أوكلتْ إليهم، والمتمثلة في إعداد الأجيال القادمة لتولِّي زمام الخلافة في الأرض.
ودراستنا لهذه الوصايا ليست شرحاً لها، فهذا جهد قد كفانا إياه المفسرون أجزل الله ثوابهم؛ وإنما دراستنا هي استخراج للقواعد التي قامت عليه هذه الوصايا، والتي - في رأينا - لا تقل أهمية عن شرح هذه الوصايا بل قد تزيد؛ اعتقاداً منَّا أن التربية الناجحة ليست مجرد وصايا ومواعظ لا تقوم على أساس، يتلقاها الآباء عن أبائهم ثم يلقنونها لأبنائهم؛ بل لا بد أن تكون وصايا قائمة على قواعَد صحيحةٍ ينتهجها الآباء في تنشئة أبنائهم عند الطفولة حتى تؤتي التربية ثمارها، وتتلاءم مع المستجدات والمتغيرات التي طرأت على زماننا وزادت فيها احتياجات أبنائنا إلى وصايا أخرى مناسبة تجعلهم قادرين على العيش في زمانهم بفاعلية، والقيام بواجب الخلافة التي خُلقوا لها. لكل ذلك كان لا بد من ذكر هذه القواعد الضابطة والموجِّهة لهذه الوصايا وكشفها؛ ليدرك الآباء الحكمة في وصايا لقمان فيضعوها في موضعها المناسب وفي الوقت المناسب بما يحقق الغاية المنشودة والأهداف المقصودة من التربية، وقد قيل عن الحكمة: إنها (وضع الشيء المناسب في المكان المناسب) ويمكن إجمال هذه القواعد في ما يلي:
