Mr. HATEM

زيزوومي VIP
إنضم
6 مايو 2020
المشاركات
4,128
مستوى التفاعل
8,887
النقاط
3,760
الإقامة
Egypt
غير متصل

inpMFuq.png


ليس أقسى في الحياة من الهجْر والإعراض، سل في ذلك أي محبّ، كيف قاسى آلام الهجران ولوعة الحرمان، حتى توقّفت عنده ساعةُ الزمن أو كادت، وفسدت لديه لذّات الحياة وتكدّرت، فما عاد يستمتع بمباهجها وأسباب سعادتها، وما أدقّ الوصف القرآني القائل: {ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} (التوبة: 118).


هذا، والحبيبُ لا يُرجى منه نوالٌ، أو يُطلب منه كشفّ الضرّ أو دفع الشرّ على وجه الكمال، فكيف إذا كان الهجْرُ دائماً لا انقطاع له؟! أم كيف إذا كان الإعراض من الذي بيده مقاليد السماوات والأرض؟! من ملكِ الملوك الذي لا يخرجُ شيءٌ من ملكه، ولا يحصل أمرٌ إلا بمشيئته؟ وكيف إذا كان ذلك في أشدّ حاجات العبد إليه؟ يوم تُبدّل الأرض غير الأرض والسماوات، وتدنو الشمسُ من الخلائق، ويُلجم العرقُ الناس إلجاماً –كما جاء في الحديث-، فلا نظر ولا كلام، بل هو إعراضٌ تام؟!


هنا تظهر ملامحُ الخسارة، ويكون الإعراض الإلهي حاملاً لمعنى العقوبة؛ نظراً لعدم استحقاق من توجّه إليه ذلك الإعراض لنظرِ الإله وكلامه معه، بل هو علامةٌ أكيدةٌ على عقوباتٍ تتلو ذلك الإعراض، وهو العذاب الأليم والخزي الكبير. يتراءى لنا ذلك في خواتيم قوله سبحانه: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة: 174).


فمَن الأشقياء الذين يُعرض عنهم خالقُهم يوم القيامة؟! وكيف يكون إعراضُه عنهم سبباً في عدم زكائهم ونقائهم وطهارتهم؟! وما الرسائل الضمنيّة المبثوثة في النصوص التي ترصد أوصاف هذه الفئة من الخليقَة؟! وكيف يمكن النأي بالنفس عن الطرق التي سلكها أصحاب هذه الأوصاف؟!

يُقال في البدء: لقد تنوّعت النصوص الشرعيّة من الوحي الإلهي ومشكاة النبوّة، في بيان حال مَن يُعرض اللهُ عنهم يوم القيامة، فبيّنت أن منهم مَن لا يستحق النظر الإلهي لصاحبه، ومنهم مَن لا يكلّمه ولا يزكّيه، ويمكن تقسيمهم كالآتي:


القسم الأول: مَن لا ينظر إليهم، ولا يكلّمهم، ولا يزكّيهم، ولهم عذابٌ أليم!

وهؤلاء هم أشدّ الناس عذاباً، فقد جمعوا المساويء كلّها، وقد جاء هذا الوصف في حقّ أُولِي العِلم من أهل الكتاب: أحباراً ورُهباناً، كما جاءت كذلك في حق مَن يكتمه من علماء أُمَّة الإسلام، والآية في الأصل تنزّلت في حقّ مَن كتموا أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونُبُوته مع علمهم بصِدقه، طلباً منهم لِعَرضٍ من الدنيا خَسِيس، ومع ذلك فعموم الآية يشمل كلّ مَن انطبق عليه وصف كتمان العلم، وفي ذلك يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة: 174)؛ يقول البغوي: "لا يكلمهم بالرحمة وبما يسرهم، إنما يكلمهم بالتوبيخ، ولا يزكيهم، أي: لا يطهرهم من دنس الذنوب والخطايا، ولهم عذاب أليم".


وقريبٌ من حال هؤلاء المغضوب عليهم، التاركون لعهد الله الذي عهده إليهم، ولوصية الله الخاصة باتباع نبينا عليه الصلاة والسلام والتصديق به، وكذلك المستحلّون لأموال الناس بالباطل من خلال الأيمان الكاذبة، مقابل حطام الدنيا الفانية، فعقابهم كما قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران: 77).


ومِن الداخلين في هذا القسم، ثلاثةُ أصنافٍ وَرَد في حقِّهم الوعيد السابق، جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثَلاثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّه يوْمَ الْقِيَامةِ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلا ينْظُرُ إلَيْهِمْ، ولَهُمْ عذَابٌ أليمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، ومَلِكٌ كَذَّابٌ، وَعَائِل مُسْتَكْبِرٌ). رواهُ مسلم

وقد حاول القاضي عياض بيان وجه استحقاقهم لهذه العقوبة، فذكر أنهم ارتكبوا المعصية المذكورة مع ضعف دواعيها عندهم، فإن الشيخ لكمال عقله وضعف أسباب الجماع والشهوة للنساء عنده وترْكِه لحلال، والملك لا يخشى أحداً من رعيّته، فهو مستغنٍ عن الكذب، والعائل الفقير قد عُدِمَ المال، فلماذا يستكبر ويحتقر غيره؟ فكانت أفعالهم ضرباً من الاستخفاف بحق الله تعالى وقصد معصيته.


ومن الداخلين في هذا الوعيد: المُسبِل إزاره على وجه الخيلاء، ومَن يريد تصريف سلعته بالحلف الكاذب، والذي يمنّ على الناس حين الصدقة والإنفاق، فعن أَبِي ذَرّ رضي اللهُ عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ». قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارٍ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَال: «الْمُسْبِلُ، وَالْمَنَّانُ، وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ». رواه مسلم


وفي البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلَاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ علَى فَضْلِ مَاءٍ بالطَّرِيقِ يَمْنَعُ منه ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَاهُ، إنْ أَعْطَاهُ ما يُرِيدُ وَفَى له وإلَّا لَمْ يَفِ له، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، فَحَلَفَ باللَّهِ لقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ، فأخَذَهَا، وَلَمْ يُعْطَ بِهَا».

فالأوّل: مَنَع الماء عن ابن السبيل ظُلماً وطُغياناً؛ والثاني: أحد المرتزقة، سَلك النفاق وتعامل مع ولي أمره من منطلق النفعيّة فحسب؛ والثالث: صاحب أيمانٍ كاذبةٍ في هذا الوقت المعظّم.

القسم الثاني: مَن لا ينظر اللهُ إليه يوم القيامة!

أصحاب هذا القسم محرومون مِن نظر الله نعالى إليهم يوم القيامة، وهم: صاحب العقوق، والمتشبّهة من النساء بالرجال، والدَّيوث الذي يُقرّ الفجور في أهله، وَرَد فيهم حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَة: العَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ». رواه أحمد والنسائي


ومِن المحرومين مِن نظر الله تعالى: مَن يعملون عمل قوم لوط، أو يأتون زوجاتهم في غير ما أحلّ الله، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلاً أَو اِمْرَأَةً فِي الدُّبُرِ». رواه الترمذي؛ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الَّذِي يَأْتِي اِمْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، لاَ يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِ». رواه النسائي

وإذا كانت هذه الأوصاف المذمومة قد أدّت بأصحابها إلى استحقاق العقوبات المذكورة، فإن ذلك يدعونا إلى الاتصاف بأضدادها من الأخلاق الحسنة والأفعال الحميدة المُرضيّة عند ذي الجلال والإكرام، حتى ينظر إلينا سبحانه نظرةَ رحمةٍ تدخلنا جنّته وتحلّ علينا رضوانه.
*******
الشبكة الإسلامية
"بتصرف"
 

توقيع : Mr. HATEM
بارك الله فيك اخي الحبيب حاتم واحسن اليك ونفع بك
 
توقيع : Mr. HATEM
بارك الله فيك
شكراً لك على الطرح الرائع
 
توقيع : أسيرالشوق
تسلم أياديك أخى الكريم وجزاك الله خيرا على حرصك بنفع الآخرين بعلمك
بيض الله وجهك وزادك علما نافعا اللهم امين
 
توقيع : fathy100
تسلم أياديك أخى الكريم وجزاك الله خيرا على حرصك بنفع الآخرين بعلمك
بيض الله وجهك وزادك علما نافعا اللهم امين

ربنا يعزِّك ويرفع قدرك أخي الحبيب الكريم
 
توقيع : Mr. HATEM
بارك الله فيك وجزاك الله خيراً
 
توقيع : أبي الفداء الجهني
عودة
أعلى