ضياء البرق
زيزوومى مميز
- إنضم
- 6 نوفمبر 2012
- المشاركات
- 334
- مستوى التفاعل
- 346
- النقاط
- 520
غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي

فوائد وعظات من سورة الإخلاص
سورة عظيمة، وكل سور القرآن عظيمة، قصيرة المباني، بليغة المعاني، حوَت الشمائلَ، وانفردت بعظيم الفضائل، وهي تعدِل ثلثَ القرآن، قال الله -تعالى-: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 1-4].
(قُلْ هُوَ اللَّهُ)[الْإِخْلَاصِ: 1]، اللَّهُ: هذا الاسم أبرُّ أسمائه -سبحانه- وأجمعها، الله: أعظم اسم وأجلُّ مسمًّى، ملأ جلالُه السماوات، وما فيهنَّ، وأحاطت عظمتُه الأرض وما عليها وما تحتها ومَنْ فيها، والعلم بالله أصلُ كلِّ علمٍ، بل أجلُّ معلوم وأكبره، قال الله -تعالى-: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ)[الْأَنْعَامِ: 3]، ولا حياة للقلوب ولا فرح ولا سرور ولا نعيم ولا أُنْس إلا في معرفة الله، قال مالك بن دينار: “مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها. قيل له: وما أطيبُ ما فيها؟ قال: معرفةُ اللهِ ومحبتُه“، المعرفة التي تحقِّق رقيًّا في منازل التعبُّد والتذلُّل والمحبة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، مَنْ أحصاها دخَل الجنةَ“، فمن عرَف اللهَ بأسمائه وصفاته أحبَّه، وإذا أحبَّه أَنِسَ بذِكْره واشتاق إليه وإلى لقائه، وعلى قَدْر معرفة الرب، يكون تعظيم الله وإجلال الله.
ومراتب الناس في العبودية بقدر ما ينقدح في نفوسهم من معرفة الله، كما تتفاوت أحوال الناس في الصلاة، بقدر استحضارهم معاني معرفة الرب، معرفة الله تجعل العبد يستحضر معيةَ الله في كل أحواله، فيطمئن قلبُه، وتسكن نفسُه، ويتوكَّل عليه صدقًا، ويثق به حقًّا، (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرَّعْدِ: 28]، مَنْ عرَف اللهَ حقًّا سجَد فالتذَّ في سجوده، وصلَّى فخشَع في قيامه وقعوده، وحلَّق في الملكوت متأمِّلًا متفكِّرًا ولسانُه يردد: سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله.
اسم الله إذا ذُكِرَ على قليل كثَّره، وإذا ذُكِرَ عند خوف أزاله، وعند كرب نفَّسَه، وعند هم وغم فرَّجَه، وعند ضيق وسَّعَه، من عرَف اللهَ يستحي من ربه أن يجده حيث نهاه، وأن يفقده حيث أمَرَه؛ لأنه يتذكَّر جلالَ الله، وهو القائل: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)[الشُّعَرَاءِ: 217-219]، وإذا ضَعُفَ استحضارُ معاني معرفة الرب، جفَّت ينابيع الإيمان، وخبَت جذوة لذة الطاعة، وقسا القلب، واستشرى القلق، وتمكَّن الخوف من المستقبل وعلى الرزق.
(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 1]، هو الأحد، الذي لا مثيل له ولا شبيه ولا مثيل في قدرته، فهو أحد في صفاته، في ذاته، هو الخالق الرازق المحيي المميت المالك المتصرِّف في خلقه كيف يشاء.
(اللَّهُ الصَّمَدُ)[الْإِخْلَاصِ: 2]، والصمد هو الكامل في صفاته، الذي افتقرت إليه جميع مخلوقاته، المستغني عن كل أحد، الذي لا يموت، ولا يورث، وله ميراث السماوات والأرض، الذي لا ينام ولا يسهو، السيد الذي اكتمل سؤدَدُه، العظيم في عِلْمه وحكمته وحِلْمه وقدرته وعزَّتِه وجميع صفاته -سبحانه-، الصمد: الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجهم، فيكفيهم، اسم الله الصمد يجعل العبد يستشعر القوة والعزة والغنى، عن كل ما سوى الله، فيوقن ما معنى أن الله -سبحانه وتعالى- كافٍ عبدَه؛ فإن الصمد يسمع نجواه، ويرى مكانَه، ولو اجتمع الكون على أن يضرَّه بشيء لن يضره إلا بشيء قد كتبَه اللهُ له.
(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)[الْإِخْلَاصِ: 3]، هو الحي الذي لا يموت، الباقي بعد فَناء خَلْقه، وهو -سبحانه- الغني عن الولد، يقول صلى الله عليه وسلم: “لا أحدَ أصبرَ على أذًى سَمِعَهُ من الله؛ إنهم يجعلون له ولدًا وهو يرزقهم ويعافيهم“.
(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)[الْإِخْلَاصِ: 4]، وأنَّى يكون له كفو وقد خلَق كلَّ شيء، وأوجَد كلَّ شيء، وهو الكبير المتعال، الذي هو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء.
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: “كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ، فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ لَهُمْ فِي الصَّلاةِ يَقْرَأُ بِهَا، افْتَتَحَ بِقُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ بِسُورَةٍ أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لَا تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، فَإِمَّا أَنْ تَقْرَأَ بِهَا، وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، قَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أَخْبَرُوهُ الخَبَرَ، فَقَالَ: يَا فُلانُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-: إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ“.
الشيخ عبدالباري الثبيتي
الحرم النبوي الشريف
