• بادئ الموضوع بادئ الموضوع Mr. HATEM
  • تاريخ البدء تاريخ البدء
  • المشاهدات 6,368
توقيع : Mr. HATEM
(98) ابْـــنُ أَبِـــــي ذِئْـــــــــبٍ


هُـــــوَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ المُغِيْرَةِ بْنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ (أَبُو ذِئْبٍ) بْنِ شُعْبَةَ العَامِرِيُّ، أَبُو الحَارِثِ القُرَشِيُّ، المَدَنِيُّ. الإِمَام العَلَمُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ

مَـوْلِـــدُهُ: وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِيْنَ (80 هــ)؛ وكَانَ فَقِيْهًا إِمَامًا، ومِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ وأَفْضَلِهِم فِي عَصْرِهِ.

وكَانَ عَابِدًا: فَكَانَ يَصُوْمُ يَوْماً ويُفْطِرُ يَوْماً، ثُمَّ سَرَدَ الصَّوْمَ، وكَانَ شَدِيْدَ الحَالِ: يَتَعَشَّى الخُبْزَ والزَّيْتَ، ولَهُ قَمِيْصٌ وطَيْلَسَانُ يَشْتُو فِيْهِ ويَصِيْفُ.

أَخَــذَ الـعِــلْـــمَ مِـــنْ: عِكْرِمَةَ، وشُرَحْبِيْلَ بنِ سَعْدٍ، وسَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، ونَافِعٍ العُمَرِيِّ، وأَسِيْدِ بنِ أَبِي أَسِيْدٍ البَرَّادِ، وشُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وخَالِهِ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القُرَشِيِّ، ومُسْلِمِ بْنِ جُنْدَبٍ، وابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، والقَاسِمِ بنِ عَبَّاسٍ، ومُحَمَّدِ بنِ قَيْسٍ، وإِسْحَاقَ بنِ يَزِيْدِ الهُذَلِيِّ، والزِّبْرِقَانَ بنِ عَمْرِو بنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ، وسَعِيْدِ بنِ سَمْعَانَ، وعُثْمَانَ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سُرَاقَةَ، ومُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، ويَزِيْدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ قُسَيْطٍ؛ وخَلْقٍ سِوَاهُم.

-- وكَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ؛ وكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي سَعِيْدٍ المَقْبُرِيِّ، لَيِّنًا فِي غَيْرِهِ.

- قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الجُوْزَجَانِيُّ: قُلْتُ لأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: فَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، سَمَاعُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ، أَعَرْضٌ هُوَ؟! قَالَ: لاَ يُبَالِي كَيْفَ كَانَ. (كَانَ يُلَيِّنُهُ فِي الزُّهْرِيِّ بِهَذِهِ المَقَالَةِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِالمُجَوِّدِ فِي الزُّهْرِيِّ)

- وقَالَ البُخَارِيُّ: لاَ أَعْرِفُ لِابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ شَيْئًا؛ وسَمَاعُهُ مِنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَوْأَمَةِ أَخِيْرًا، ويَروِي عَنْهُ مَنَاكِيْرَ.

- وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَحْفَظُ مِنَ الدَّرَاوَرْدِيِّ.

- وقَالَ التِّرْمِذِيُّ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَثْبَتُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ.

- وقال النَّسَائِيُّ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَثْبَتُ عِنْدَنَا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ ومِنَ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ فِي حَدِيْثِ سَعِيْدِ المَقْبُرِيِّ.

وأَخَذَ مِنْه العِلْمَ: ابْنُ المُبَارَكِ، ويَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ، وأَبُو نُعَيْمٍ، ووَكِيْعٌ، وآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، والقَعْنَبِيُّ، وأَسَدُ بنُ مُوْسَى، وعَاصِمُ بنُ عَلِيٍّ، وعَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، وابْنُ وَهْبٍ، والمُقْرِئُ، وابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، وشَبَابَةُ بنُ سَوَّارٍ، وأَبُو عَلِيٍّ الحَنَفِيُّ، وحَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ؛ وخَلْقٌ كَثِيْرٌ.

قَـالُـــوا عَـنْـــهُ:

- قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَسِراً، أَعْسَرَ أَهْلِ الدُّنْيَا، إِنْ كَانَ مَعَكَ الكِتَابُ، قَالَ: اقْرَأْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَكَ كِتَابٌ، فَإِنَّمَا هُوَ حِفْظٌ. فَقُلْتُ لِيَحْيَى: كَيْفَ كُنْتَ تَصْنَعُ فِيْهِ؟! قَالَ: كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا، وأَكْتُبُهَا.

- وقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا فَاتَنِي أَحَدٌ فَأَسِفْتُ عَلَيْهِ، مَا أَسِفْتُ عَلَى اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، وابْنِ أَبِي ذِئْبٍ.

- وقَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ وأَوْدَعِهِم، ورُمِيَ بِالقَدَرِ، ومَا كَانَ قَدَرِيًّا، لقَدْ كَانَ يَتَّقِي قَوْلَهُم ويَعِيبُهُ، ولَكِنَّهُ كَانَ رَجُلاً كَرِيْماً، يَجلِسُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ ويَغشَاهُ، فَلاَ يَطرُدُهُ ولاَ يَقُوْلُ لَهُ شَيْئاً، وإِنْ مَرِضَ، عَادَهُ، فَكَانُوا يَتَّهِمُونَه بِالقَدَرِ لِهَذَا وَشِبْهِهِ؛ وكَانَ مِنْ رِجَالِ النَّاسِ صَرَامَةً، وقَوْلاً بِالحَقِّ، وكَانَ يَحفَظُ حَدِيْثَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ، وكَانَ يَرُوحُ إِلَى الجُمُعُةِ بَاكِراً، فَيُصَلِّي إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الإِمَامُ، وكَانَ لاَ يُغَيِّرُ شَيْبَهُ؛ وكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ أَجْمَعَ، ويَجْتَهِدُ فِي العِبَادَةِ، ولَوْ قِيْلَ لَهُ: إِنَّ القِيَامَةَ تَقُوْمُ غَدًا، مَا كَانَ فِيْهِ مَزِيْدٌ مِنَ الاجْتِهَادِ.

- وقَالَ حَمَّادُ بنُ خَالِدٍ: كَانَ يُشَبَّهَ بَابْنِ المُسَيِّبِ، ومَا كَانَ هُوَ ومَالِكٌ فِي مَوْضِعٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ، إِلاَّ تَكَلَّمَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ بِالحَقِّ، والأَمْرِ والنَّهْيِ، ومَالِكٌ سَاكِتٌ.

- وقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ يُفْتِي بِالمَدِينَةِ، وكَانَ عَالِمًا ثِقَةً فَقِيهًا وَرِعًا عَابِدًا فَاضِلًا، وكَانَ يُرْمَى بِالقَدَرِ، ولَمْ يَكُنِ الَّذِي بَيْنَهُ وبَيْنَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ بِذَلِكَ.

- وقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ؛ قَدْ دَخَلَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ المَنْصُوْرِ، فَلَمْ يَهُلْهُ أَنْ قَالَ لَهُ الحَقَّ، وقَالَ: الظُّلْمُ بِبَابِكَ فَاشٍ، وأَبُو جَعْفَرٍ أَبُو جَعْفَرٍ.

- وقَالَ أَحْمَدٌ أَيْضًا: كَانَ يُشَبَّهُ بِسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ. فَقِيْلَ لأَحْمَدَ: خَلَّفَ مِثْلَهُ؟! قَالَ: لاَ؛ ولاَ بِغَيْرِ بِلاَدِهِ. ثُمَّ قَالَ: كَانَ أَفْضَلَ مِنْ مَالِكٍ، إِلاَّ أَنَّ مَالِكاً أَشَدُّ تَنْقِيَةً لِلرِّجَالِ مِنْهُ.

- وقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ سَمِعَ عِكْرِمَةَ؛ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ، وكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَثِقَةٌ، إِلاَّ أَبَا جَابِرٍ البَيَاضِيَّ، وكُلُّ مَنْ رَوَى عَنْهُ مَالِكٌ ثِقَةٌ، إِلاَّ عَبْدَ الكَرِيْمِ أَبَا أُمَيَّةَ.

- وقَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِنْدَنَا ثِقَةً، وكَانُوا يُوَهِّنُوْنَهُ فِي أَشْيَاءَ رَوَاهَا عَنِ الزُّهْرِيِّ.

- وقَالَ الفَلاَّسُ: هُوَ أَحَبُّ إِليَّ فِي الزُّهْرِيِّ مِنْ كُلِّ شَامِيٍّ.

- وقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: كَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فَقِيْهَ المَدِيْنَةِ.

- وقَالَ أَحمَدُ بنُ عَلِيٍّ الأَبَّارُ: سَأَلْتُ مُصْعَباً عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ يَكُوْنَ قَدَرِيّاً، إِنَّمَا كَانَ فِي زَمَنِ المَهْدِيِّ قَدْ أَخَذُوا أَهْلَ القَدَرِ، وضَرَبُوْهُم، ونَفَوْهُم، فَجَاءَ مِنْهُم قَوْمٌ إِلَى ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، فَجَلَسُوا إِلَيْهِ، واعْتَصَمُوا بِهِ مِنَ الضَّربِ. فَقِيْلَ: هُوَ قَدَرِيٌّ لأَجْلِ ذَلِكَ؛ لقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: مَا تَكَلَّمَ فِيْهِ قَطُّ.

- وقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ وقُرَّائِهِم وفُقَهَائِهِم، وكَانَ مِنْ أَقْوَلِ أَهْلِ المَدِيْنَةِ بِالَحقِّ.

- وقَالَ الدَّارَقُطنِيُّ: ثِقَةٌ؛ وكَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ صَنَّفَ (مُوَطَّأً)، فَلَمْ يُخْرَجْ.

- وقَالَ الخَطِيْبُ: كَانَ فَقِيْهًا صَالِحًا وَرِعًا، يَأْمُرُ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ.

- وقَالَ العَلاَئِيُّ: إِمَامٌ مَشْهُورٌ.

- وقَالَ الذَّهَبِيُّ: الإِمَامُ، أَحَدُ الأَعْلاَمِ؛ وكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ، ثِقَةً، فَاضِلاً، قَوَّالاً بِالحَقِّ، مَهِيْباً.

- وقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثِقَةٌ، فَقِيْهٌ، فَاضِلٌ؛ أَحَدُ الأَئِمَّةِ الأَكَابِرِ العُلَمَاءِ الثِّقَاتِ، ورُمِيَ بِالقَدَرِ ولَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ، وإِنَّمَا تَكَلَّمُوا فِي سَمَاعِهِ مِنَ الزُّهْرِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ وَقَعَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الزُّهْرِيِّ شَيْءٌ فَحَلِفَ الزُّهْرِيُّ أَنْ لاَ يُحَدِّثَهُ ثُمَّ نَدِمَ، فَسَأَلَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ أَحَادِيْثَ أَرَادَهَا فَكَتَبَهَا لَهُ، فَلِأَجْلِ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِي الزُّهْرِيِّ بِذَاكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ؛ احْتَجَّ بِهِ الجَمَاعَةُ، وحَدِيْثُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي البُخَارِيِّ فِي المُتَابَعَاتِ.

عِـــزَّةُ نَـفْــسِـــهِ: قَالَ أَبُو العَيْنَاءِ: لَمَّا حَجَّ المَهْدِيُّ، دَخَلَ مَسْجِدَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ قَامَ، إِلاَّ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ. فَقَالَ لَهُ المُسَيِّبُ بنُ زُهَيْرٍ: قُمْ، هَذَا أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ. فَقَالَ: إِنَّمَا يَقُوْمُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالِمِيْنَ. فَقَالَ المَهْدِيُّ: دَعْهُ، فَلَقَدْ قَامَتْ كُلُّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِي.

صَـدْعُــهُ بـِالـحَــقِّ وأَمْــرُهُ بِـالـمَــعْـــرُوفِ:

- قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَجَجْتُ عَامَ حَجَّ أَبُو جَعْفَرٍ، ومَعَهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، ومَالِكُ بنُ أَنَسٍ، فَدَعَا ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ، فَأَقعَدَهُ مَعَهُ عَلَى دَارِ النَّدْوَةِ، فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ فِي الحَسَنِ بنِ زَيْدِ بنِ حَسَنٍ (يَعْنِي: أَمِيْرَ المَدِيْنَةِ)؟! فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَتَحَرَّى العَدْلَ. فَقَالَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ فِيَّ؟! فَقَالَ: ورَبِّ هَذِهِ البَنِيَّةِ، إِنَّكَ لَجَائِرٌ. قَالَ: فَأَخَذَ الرَّبِيْعُ الحَاجِبُ بِلِحْيَتِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: كُفَّ يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ. ثُمَّ أَمَرَ لابْنِ أَبِي ذِئْبٍ بِثَلاَثِ مائَةِ دِيْنَارٍ.

- وقَالَ أَبُو العَيْنَاءِ أَيْضًا: قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ لِلْمَنْصُوْرِ: قَدْ هَلَكَ النَّاسُ، فَلَوْ أَعَنْتَهُم مِنَ الفَيْءِ. فَقَالَ: وَيْلَكَ! لَوْلاَ مَا سَدَدْتُ مِنَ الثُّغُورِ، لَكُنْتَ تُؤْتَى فِي مَنْزِلِكَ، فَتُذْبَحَ. فَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: قَدْ سَدَّ الثُّغُورَ، وأَعْطَى النَّاسَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ: عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَنَكَسَ المَنْصُوْرُ رَأْسَهُ -وَالسَّيْفُ بِيَدِ المُسَيِّبِ- ثُمَّ قَالَ: هَذَا خَيْرُ أَهْلِ الحِجَازِ.

- وقَدْ دَخَلَ مَرَّةً عَلَى وَالِي المَدِيْنَةِ (عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَمِّ المَنْصُوْرِ)، فَكَلَّمَه، فَكَلَّمَه فِي شَيْءٍ. فَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ: إِنِّيْ لأَرَاكَ مُرَائِياً. فَأَخَذَ عُوْداً، وقَالَ: مَنْ أُرَائِي؟! فَوَاللهِ، لَلنَّاسُ عِنْدِي أَهَوْنُ مِنْ هَذَا.

هَـكَـــذَا يَـكُـــونُ الأَئِـمَّـــةُ: قَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ بنُ سِمَاكٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيْلٌ، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إِنْ أَحَبَّ، أَخَذَ العَقْلَ، وَإِنْ أَحَبَّ، فَلَهُ القَوَدُ». قُلْتُ لابْنِ أَبِي ذِئْبٍ: أَتَأْخُذُ بِهَذَا؟! فَضَرَبَ صَدْرِي، وصَاحَ كَثِيْراً، ونَالَ مِنِّي، وقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتَقُوْلُ: تَأْخُذُ بِهِ؟! نَعَمْ، آخُذُ بِهِ، وذَلِكَ الفَرْضُ عَلَيَّ وعَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ، إِنَّ اللهَ اخْتَارَ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّاسِ، فَهَدَاهُم بِهِ، وعَلَى يَدَيْهِ، فَعَلَى الخَلْقِ أَنْ يَتَّبِعُوْهُ طَائِعِيْنَ أَوْ دَاخِرِيْنَ، لاَ مَخْرَجَ لِمُسْلِمٍ مِنْ ذَلِكَ.

ومَـا قَـالَــهُ فِي مَـالِــكٍ الإِمَـــامِ: قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: بَلَغَ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّ مَالِكاً لَمْ يَأْخُذْ بِحَدِيْثِ: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ». فَقَالَ: يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ!! ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: هُوَ أَوْرَعُ وأَقْوَلُ بِالحَقِّ مِنْ مَالِكٍ.

قُلْتُ: وقَد رَدَّ ذَلِكَ الذَّهَبِيُّ بِقَوْلِهِ: "لَوْ كَانَ وَرِعاً كَمَا يَنْبَغِي، لَمَا قَالَ هَذَا الكَلاَمَ القَبِيْحَ فِي حَقِّ إِمَامٍ عَظِيْمٍ، فَمَالِكٌ إِنَّمَا لَمْ يَعْمَلْ بِظَاهِرِ الحَدِيْثِ، لِأَنَّهُ رَآهُ مَنْسُوْخًا. وقِيْلَ: عَمِلَ بِهِ، وحَمَلَ قَوْلَهُ: (حَتَّى يَتَفَرَّقَا) عَلَى التَّلَفُّظِ بِالإِيجَابِ والقَبُولِ، فَمَالِكٌ فِي هَذَا الحَدِيْثِ، وفِي كُلِّ حَدِيْثٍ لَهُ أَجْرٌ ولاَ بُدَّ، فَإِنْ أَصَابَ، ازْدَادَ أَجراً آخَرَ، وإِنَّمَا يَرَى السَّيْفَ عَلَى مَنْ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ الحَرُوْرِيَّةُ. وبِكُلِّ حَالٍ: فَكَلاَمُ الأَقْرَانِ بَعْضِهِم فِي بَعْضٍ لاَ يُعَوَّلُ عَلَى كَثِيْرٍ مِنْهُ، فَلاَ نَقَصَتْ جَلاَلَةُ مَالِكٍ بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِيْهِ، ولاَ ضَعَّفَ العُلَمَاءُ ابْنَ أَبِي ذِئْبٍ بِمَقَالَتِهِ هَذِهِ، بَلْ هُمَا عَالِمَا المَدِيْنَةِ فِي زَمَانِهِمَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا. وَلَمْ يُسنِدْهَا الإِمَامُ أَحْمَدُ، فَلَعَلَّهَا لَمْ تَصِحَّ".

وَفَـاتُـــهُ: تُوُفِّيَ الإِمَامُ بِالكُوفَةِ ودُفِنَ بِهَا، فِي سَنَةِ تِسْعٍ وخَمْسِيْنَ ومِائَةٍ (159 هــ)، وهُوَ ابْنُ تِسْعٍ وسَبْعِينَ سَنَةً (79)؛ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
 
توقيع : Mr. HATEM
عودة
أعلى