غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي

النَّـقْـدُ الـمَرغُوب
الكلامُ اللينُ يغسل الضغائن الكامنة في القلب ، ويحبب النفوس المتنافرة، ويقارب وجهات النظر ، ويصلح ذات البين ، ويوحد الصف ، ويجعل الخلق جميعاً إخوة متحابين غير متدابرين ، وبعكسهِ الغلظةُ والشدةُ من الناقد سواء كان المنقود فرداً أو جماعة فإن سوء النقد وغلظته لا يُورِّث إلا البغض والكراهية ، ورد الحق ،والإصرار على الباطل ، واختلاف وجهات النظر ، وتفريق الكلمة. ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام : "ما كان الرفقُ في شيء إلا زانه ، وما نُزِع من شيء إلا شانه" .
ولا يمكن أن يَسْلَم أحدٌ من الوقوع في الخطأ ، وليس ذلك عيباً في حق الآدميين لكونهم مجبولين على ذلك لضعفهم ، فليس العيب أن يقع الشخص في الخطأ ولكن العيب أن يصر عليه معرضاً عن إصلاح وضعه مع الله والناس أجمعين .
وحتى نصحح هذه الأخطاء يجب علينا التزام أدب النقد من جهتين وطرف :
الجهة الأولى : من جهة الناقد إذ يجب عليه التزام الحكمة وحسن النقد حال نقده .
الجهة الثانية : من جهة المنقود إذ يجب عليه أن يتقبل نقد أخيه بصدر رحب مع السعي لإصلاح ذلك العيب .
وأما الطرف فيلزم الناقد أن يكون مثالاً حياً فلا يكون نقده خلاف واقعه ، ويلزم المنقود أن يكون متواضعاً مُتقبلاً نقد أخيه غير متعالٍ عليه .
والنقدُ في العادة لا يخلو عن كونه رسالةً مُوجهةً إلى واحد من ثلاثة إما مساوٍ لك في القدر والمكانة كالصديق ، وإما دونك كالولد والتلميذ ، وإما أعلى منك كالوالدين والأمير .
وكل هؤلاء بشر يعتريهم ما يعتريك من الخطأ والنقص والعيب ، وكونك مصلحاً وناصحاً لن تنجح في نصيحتك حتى تأخذ بهذه الجملة السماوية القرآنية : ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ .
فصديقك وجارك ووالداك وأميرك والناس أجمعون لن يقبلوا منك وداً ولا حباً ولا أُلْفة حتى تحببهم إليك بأخلاقك وحسن أدبك في النقد والوعظ ، ولذا قال الله عز وجل لنبيه : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ .
وإليكم هذا المثال الرائع من حياة السلف :
بينما الرشيد هارون يطوف بالبيت إذ عرض له رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني أريد أن أكلمك بكلام فيه غلظة فاحتمله لي فقال : لا ولا كرامة قد بعث الله منه و خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني فأمره أن يقول له قَوْلاً لَّيِّناً .
فحنانيك بالأمة وأفراد المجتمع فصلاحُهم بالكلمة الطيبة وطلاقةِ الوجه والرحمة والتسامح وخفض الجناح ولين الخطاب ، لا بالقسوةِ وعباسة الوجه والترفع وقسوة الخطاب.
فمن ذا الذي ما ساءَ قطْ ومَنْ لهُ الحسنى فقطْ
فَلِيْنُوا مع الصغيرِ والكبير ، ولا تكونوا جبابرةً يَغلبُ جهلُكم حِلمَكم.
وصلوا مَنْ قَطَعَكم ، واعْطُوا مَنْ حرمَكم ، واحلموا عمَّن جهل عليكم، وابتغوا الشرفَ والسؤدد والرفعة من الله وحده ، ولتكن صدوركم دولةً واسعةً لقبول النقد ، وتقديمه لمجتمعكم في أحسن لباسٍ ، والله يرعاكم .
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
