غير متصل
من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي

يا ولدي !!!
كم لك من الأصحاب والجلساء ممن تأنس بهم ، وتقضي بصحبتهم أوقاتاً نفيسة هي أغلى ما تملك من ساعات عمرك . وأنا لا أعترض في الصحبة ، ولكني أشير عليك بالاختيار ، فإن المستشار مؤتمن . فتذكر يحفظك الله أنني أنصحُ لك ، وأبرُّ بك من أصاحبك كلهم ، وأَحَّرصُ على الخير لك .
فالولد كما يقال فلذة الكبد .
في الأدب المفرد عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال أبو بكر : والله ! ما على وجه الأرض رجل أحب إلىّ من عمر ، فلما خرج رجع ، قال : كيف قلتُ يا بُنيه ؟ فقلت لـه ، فقال : " أعز عليّ والولد ألوط " . والشاهد قول أبي بكر رضي الله عنه : " والولد ألوط " أي : أقرب وألصق بالقلب ، وأحب من كل أحد .
يا ولدي !!!
تخيّر من أصحابك صفوتهم ، وانثر وراء ظهرك حثالتهم ، ولا تبالهم بالك . فإنك إن لم تقطع عنك حبالهم ، أوثقوك فيها ، وألقوك في غاية الجبّ ، وتولوا عنك ولسان حال أحدهم يقول : أكله الذئب ..! فذئب الإنسان قرينه وشيطانه ، فاجتنب رفقاء السوء ، فإنهم إخوان الشياطين ، وإياك أن يخدعوك ، واحذرهم أن يفتنوك . واعتصم بدينك ؛ تسلم . وصن شرفك ؛ تغنم .
تذكر يا ولدي! أن { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} ، وأن" الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " .
والأخلاء فيهم الغثّ والسمين ، ومنهم الخائن والأمين ، فعليك بالتقاط الدّر ، ورمي الأصداف .
اعلم يا ولدي !!!
إن اختيار الصديق الوفي أمر بالغ الأهمية لا يهمله الأريب ، ولا يستغني عنه الأديب .
فإذا رغبت في مودة صاحب ، أو مجالسة أحد ؛ فاحرص على مَن تأمنه على دينك ، وسرك ، مَن يأمرك بالخير ويعينك عليه ، ويذكرك إذا نسيت ، وإذا استنصحته أواستشرته ؛ محَّضَ لك نصحه ورأيه . يسرك إن جلست إليه ، وإن ذُكِرت في مجلس حضره ؛ زانك ثناؤه . مأمون في السراء ، مأمول في الضراء .
إن أخال الصدق من كان معك --- ومن يضـر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك --- شتت فيك شمله ليجمعك
وأمَّا خدين السوء ، وكيِر الحداد ، الهمَّاز اللمَّاز ، الطبال المائن ، البطال الخائن ، فإياك وإياه ، وإياك أن تغفل عنه ؛ فيرديك ، واحذر أن تقترب منه ؛ فيعديك .
واحذر مصاحبة اللئيم فإنها --- تعدي كما يعدي الصحيحَ الأجربُ
فجليس السوء إن ائتمنته ؛ خانك، وإن استشرته خدعك ، وإن طلبت نصحه ؛ خذلك ، يأمرك بالشر ويسبقك إليه .
أي بُني !!!
من كانت غايته في عزائم الأمور ؛ فإنه لا يرضى بالظلمة من النور ، ومن كانت همته علياء ، سامى بفضله الجوزاء ، وكان لنفسه أنصح من غيره ، مغمورٌ شره في بحر خيره . الصلاح زينته ، والتقوى حليته .
حفظك الله يا ولدي وسددك ورعاك .
محمد بن علي الشيخي
