جورج ايستمان مخترع كاميرا كوداك
عند الحديث عن الكاميرات، فلا بد من ذكر الحسن بن الهيثم، الذي دخل السجن / الحبس / الإقامة الجبرية في زمن الخليفة الحاكم بأمر الله الفاطمي، لأكثر من 10-12 سنة، وهناك واصل دراسته لسلوك الضوء وانعكاسه، ولاحظ في سجنه مرور الضوء من ثقب في باب الزنزانة، ساقطا على الجدار المقابل راسما صورة غير واضحة، بالتدقيق فيها وجدها صورة الأجسام الموجودة خارج باب زنزانته المظلمة.
هذا الاكتشاف سجله الحسن بدقة ودرسه وبحثه ونقحه، ووضعه في كتاب سماه المناظر، أوضح فيه أنه وجد أن الحجرة المظلمة ذات الفتحة الدائرية مثل القمر (القمرة) تعكس داخلها الصورة التي أمامها، وكلما ضاقت هذه الفتحة / القمرة، زادت دقة الصورة المعروضة داخلها، هذا الاكتشاف مهد الطريق لاختراع الكاميرا كما نعرفها اليوم.
قصة الحسن بن الهيثم لهي قصة نجاح في حد ذاتها، فلم يوقفه السجن عن تحقيق هدفه في دراسة علم البصريات والخروج منه بالجديد والمفيد، ولم يتقبل علوم من قبله دون نقد وبحث، ولم يخش المجيء بنظريات تعارض من قبله، وأثبتها بالحقائق العلمية. بعد هذه المقدمة الجميلة، ندلف معا إلى قصة جورج إيستمان.
أبصرت عيناه النور في 12 يوليو 1854 في قرية ووترفيل، القريبة من مدينة نيويورك الأمريكية، ليكون جورج الابن الثالث لأب ناجح بشكل مقبول في عالم التجارة، صاحب دار حضانة أطفال. وعندما بلغ جورج الخامسة من عمره، باع أبوه دار الحضانة وانتقل بعائلته إلى خارج مدينة روشستر حيث افتتح كلية إيستمان التجارية، ولكن بعدها بعامين توفى والده، وبرحيله بلغت الكلية نهايتها وأغلقت أبوابها.
بعد موته، وجدت العائلة نفسها على حافة الإفلاس، واضطرت الأم لتأجير غرف من البيت للنزلاء والمسافرين، وأدرك الصغير حقيقة الحالة المالية للأسرة، ولم يرض أبدأ عن قيام أمه بالتنظيف والطهي للنزلاء الغرباء، وقرر أن يفعل شيئا ليغني أمه عن كل ذلك. لم يبل جورج جيدا في المدرسة، وحكم القائمون عليها بأنه ليس موهوبا بما يكفي للتعلم، ولذا لم يتردد كثيرا في هجران مقاعد الدراسة والتقدم لشغل وظيفة مرسال في شركة تأمين، مقابل ثلاثة دولارات في الأسبوع.
بعدها انتقل جورج إلى شركة تأمين أخرى وظفته مقابل خمسة دولارات في الأسبوع ومقابل مهام أكثر أهمية. لم تكن هذه الدولارات بالثروة الكبيرة، لكنها كانت تكفي لتساهم في مصاريف ونفقات أسرته، ولذا اجتهد ليدرس في المساء قواعد المحاسبة أملا في العثور على وظيفة أفضل. في هذه الأثناء، خسر جورج أخته كاتي التي توفت عن عمر 16 ربيعا، بعد معاناة مع مرض شلل الأطفال
. نكمل بعد فاصل قصير بمشيئة الله.
بعد مرور خمس سنوات على عمله في شركة التأمين، حصل جورج على وظيفة كاتب حسابات في بنك روشستر، مع راتب قدره 15 دولار في الأسبوع، وهنا حين بدأ جورج يفكر في أنه يستحق أخذ فترة إجازة من العمل، وكان يريد زيارة العاصمة سانتو دومينجو (تقع في الدومينيكان ضمن جزر الكاريبي) ثم اقترح عليه زميله في العمل أن يوثق رحلته هذه بالصور الفوتوغرافية. هذه النصيحة قلبت خطة جورج رأسا على عقب، إذ اقتنع بها، وبدأ يشتري ما يلزم للتصوير الفوتوغرافي في زمنه: صندوق كبير، حامل معدني ضخم ثلاثي الأرجل، حامل ألواح كبير، خيمة سوداء صغيرة، وعاء لوضع الماء لعمل حمام نترات.
ليعرف كيف يستخدم هذه الأشياء الكثيرة،* اضطر جورج لنقد مصور محترف 5 دولارات ليعلمه كيف تعمل هذه الأشياء. بعدما تعلم جورج كيف يلتقط الصور وكيف يطبعها ويظهرها، أيقن في قرارة نفسه أنه هناك حتما طريقة أسهل لالتقاط الصور، ولذا أنطلق ليعثر عليها! الطريف أن جورج لم يذهب في رحلته بعد كل هذه المشتريات، لكنه تحول هاويا شغوفا، عاقد العزم على تبسيط عملية التصوير الفوتوغرافي. في النهار كان جورج رجلا مصرفيا، وفي الليل هاوي تصوير فوتوغرافي، يقرأ ويطالع كل ما يقع تحت يديه من كتب تتحدث عن الفوتوغرافيا.
من ضمن ما قرأه جورج كانت مقالة عن طريقة تصوير سهلة يستعملها المصورون في إنجلترا، اعتمدت على التصوير الجاف، في حين كان التصوير في أمريكا قائما على الألواح المبللة. كانت الطريقة الانجليزية أسهل وأسرع من تلك الأمريكية، ولذا أضاء مصباح الأفكار العبقرية لدى جورج وعكف على مر أيام طويلة وليال كثيرة، في تجربة تركيبات كيماوية كثيرة، تحقق له التصوير الفوتوغرافي باستخدام الألواح الجافة، في كنف مطبخ بيته، حتى أنه كثيرا ما كان ينام على أرضية المطبخ من شدة التعب والإرهاق.
بعد مجهود شاق استمر على مدى ثلاث سنوات، توصل جورج إلى تركيبة كيماوية حققت له ما أراد، وكذلك إلى ماكينة تصنع له هذه الألواح الجافة بكميات كبيرة. بدأ جورج يفكر كيف يمكنه استغلال اكتشافه هذا على نطاق تجاري، حتى جاء يوم رفض البنك الذي يعمل فيه جورج ترقيته كما كان يستحق، ولذا سارع بتقديم استقالته واستأجر طابقا بأكمله في مبنى ليكون مقر شركته الجديدة، وهناك حيث بدأ في تصنيع ألواحه الجافة. لم تكن البداية وردية، إذ اشتكي الكثيرون من فساد تلك الألواح الجافة وعدم عملها وفق المتوقع منها، الأمر الذي اضطر معه جورج إلى استبدالها أو إعادة ثمنها. كانت هذه الخطوة مكلفة للغاية، لكنها أثبتت أنها استثمار جيد، إذ أن هذه الخطوة ساهمت في بناء الاسم التجاري الشهير لشركته والسمعة الطيبة.