من فضلك قم بتحديث الصفحة لمشاهدة المحتوى المخفي
التوحيد أعظم القضايا، وهو غاية كل الأنبياء، ومفتاح الجنة، فلا يدخلها أحد إلا به، والفشل فيه معناه دخول النار خالداً مخلداً.
ولعظم هذه القضية المصيرية تحدث الشيخ عنها، مستعرضاً اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بغرس شجرة التوحيد في النفوس واجتثاث الشرك. كما تطرق إلى أسلوب القرآن في عرض الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك، ثم ختم حديثه ببيان معنى شهادة أن محمداً رسول الله.
بيان منزلة التوحيد
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
أما بعد: أيها الإخوة الكرام: معنا في هذه الخطبة قضية عظمى من أجلها خلق الله الخليقة، وأنزل الكتب وأرسل الرسل.. القضية العظيمة التي لا يقبل الله عز وجل بخلافها صرفاً ولا عدلاً.. القضية التي بها يدخل الناس الجنة وينجون من النار؛ إنها قضية التوحيد، قال الله جل وعلا:
يأتي عليه الصلاة والسلام في الناس؛ في أمة تعبد الأصنام وتذبح للأصنام، وتنذر لها.. في أمة تعبد غير الله ومع الله جل وعلا، فيذبحون ويقولون: هذا لله -جل وعلا- وهذا لشركائنا؛ وهذا شرك بالله جل وعلا، يأتون فيقولون وهم يحجون إلى بيت الله: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، يشركون بالله، فأخبرهم أن الله واحد، فسألوه عن ربه؟ فقال عليه الصلاة والسلام:
فأخذ يخبرهم أن الإله واحد، فانطلقوا في الناس يتعجبون!
أتى إلى أحدهم وهو من عبدة الأصنام، فقال له: (كم إله تعبد؟ قال: سبعة، قال: ومن هم؟ قال: ستة في الأرض وواحد في السماء، قال: من تجعله لرغبك ورهبك؟ قال: الذي في السماء، قال: إذاً اترك الذين في الأرض واعبد الذي في السماء، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ).
أتى لتقرير هذه القضية؛ أول قضية بعث بها، وبعث إليها، ومات عليها عليه الصلاة والسلام، فقبل أن يموت كان يخاطب أصحابه فيقول: (قاتل الله اليهود والنصارى! اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) يحارب الشرك وهو في آخر حياته.
ويروى عنه: (أنه رأى رجلاً على كتفه خيطاً، فقال: ما هذا؟ قال: يا رسول الله! من الواهنة -أمره مشعوذ أو عراف أن يربط هذا الخيط على يده حتى يتشافى من مرضه- فقطعه عليه الصلاة والسلام، وقال: انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً ) لا يرضى بالشرك، ولا يرضى أن يمس جناب التوحيد بشيء عليه الصلاة والسلام.
سمع بعض الصحابة يقول له: ما شاء الله وشئت، وهو أعظم الناس، وأشرف الناس، وأحب الناس، قالوا له: (ما شاء الله وشئت قال: أجعلتني لله نداً! -جعلتني لله شريكاً- قل: ما شاء الله وحده ). وكان يفزع بها فيقول: إني لا أملك لنفسي ضراً ولا نفعاً، لا أملك لنفسي ضراً ولا رشداً:
اسمع إليه يتلو آيات الله في التوحيد، والقرآن كله توحيد، وكله يحمي جناب التوحيد، ويدل على التوحيد؛ إما ربوبية، أو ألوهية، أو في أسماء الله وصفاته، قال الله جل وعلا:
إن الهدهد وهو مخلوق من المخلوقات لم يميزه الله بعقل كما ميز الإنسان، اسمع إليه لما رأى الشرك كيف استنكره، وكيف عظمه، ولم يرض به، جاء إلى سليمان عليه السلام يقول:
إن المسلم الموحد مهما عصى الله فيما دون الشرك فإن مآله الجنة يدخلها برحمة الله، أما لو عبد الله طوال حياته وأتى بشرك واحد أكبر فإن الله قد حرم عليه الجنة، فلو سجد لله طول عمره ثم دعا غير الله، فقال: يا فلان أنقذني، أو المدد يا فلان؛ فإنه بهذا قد حبط عمله:
إن لقمان حرص على ابنه أكبر الحرص من هذه القضية؛ فجلس مع ابنه الصغير وهو صغير فأخذ يعلمه، لأنها أول العلوم وأول ما يبدأ به الداعية إلى الله، العقيدة أولاً وأخيراً:
نعم! لو عصيت الله واستغفرته غفر الله لك، بل حتى لو لم تستغفره ومت على التوحيد فإنك إن دخلت النار فإنك لن تخلد فيها، لكن الشرك
ألم تسمع أن بعض المسلمين يأتي إلى بيوت الله فيشهد الشهادتين، ويسجد لله، ويعبد الله، ثم إذا خرج من بيت الله ذهب بابنه أو بزوجته أو بمريضه إلى كاهن أو عراف: (من أتى كاهناً أو عرافاً فسأله عن شيء فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ). أسمعت بهم! يؤمنون بالله لكنهم مشركون:
عباد الله: إنها قضية عظيمة حري بنا أن نتفحص أنفسنا بها، وأن نحاسب أنفسنا.. أين نحن من توحيد الله؟ أين نحن من الإيمان بالله؟
التوحيد -يا عباد الله- هو أن تصرف جميع أنواع العبادة لله. ومن الشرك ما يكون أصغر لا يخرج صاحبه من الملة، لكن صاحبه قد يقع في الشرك الأكبر وهو لا يدري، ومن الشرك الأصغر: الرياء، وهو أن تصلي لله -مثلاً- ولكن تريد مع الله غيره، فإذا جئت إلى المسجد وعلمت أن من الناس من ينظر إليك حسنت الصلاة، وأطلتها وجملتها؛ هذا من الشرك بالله، لا يقبله الله جل وعلا، وإن كان أصغر لكنه ربما يؤدي بك إلى الشرك الأكبر الذي يخرج صاحبه من الملة، أو إذا رأى بعض الناس جلوساً أخرج من جيبه مالاً ليتصدق، كأنه يقول: انظروا إليَّ، فهذا لم يعبد الله في هذه العبادة، بل عبد غير الله جل وعلا، فلنحذر من الرياء يا عباد الله!
عباد الله! لنسلَم توحيدنا من الشرك، ونخلَصه من الكفر، وكل منا يتعلم التوحيد، ولا يظن أحدنا أنه سيظل على الفطرة إلى أن يموت، انظروا في الناس لتعلموا أن من الناس من إذا مرض أو افتقر لا يلتجئ إلى الله، وإذا أصابته مصيبة توجه إلى غير الله ودعا غيره، لنعلم أن بعض الناس وإن ادعى الإيمان فإنه مشرك بالله جل وعلا. أقول: إن هذه القضية على خطورتها يجهلها كثير من الناس، وإن كان البعض يظن أنها معلومة، ولكن الله عز وجل لعله عافاه، فإن كثيراً من المسلمين في هذا الزمان -ونحمد الله أن سلم مجتمعاتنا- يجهلون التوحيد، يظن أن التوحيد هو شد الرحال إلى قبرٍ من القبور في بلد من البلاد، يطلب منه أن يأتي له بالولد، أو يرزقه المال، أو يشفي مريضاً له، وإن كثيراً من الناس إذا مرض له مريضاً ذهب به إلى المشعوذ أو الكاهن ليعطيه ورقات، أو خيط، أو كيس لا يدري ما فيه، أو يأمره بذبح شاة لونها كذا وكذا لا يذكر اسم الله عليها، أو يأمره بكذا وكذا؛ كل هذا -يا عباد الله- من الشرك! وبعضه من الشرك الأكبر الذي لا يقبل الله به ديناً ولا يدخل صاحبه الجنة.
معنى شهادة أن محمداً رسول الله
أما القضية الثانية يا عباد الله! فهي: شهادة أن محمداً رسول الله، محمد عليه الصلاة والسلام هو الرسول الذي لا طريق إلى الجنة إلا من طريقه، ولا يعرف الله إلا من خلاله، ومعنى شهادة أن محمداً رسول الله: أن نطيعه فيما أمر، ونجتنب ما نهى عنه وزجر، ونصدقه في كل ما أخبر، ولا يعبد الله إلا بما شرع عليه الصلاة والسلام، دين محمد عليه الصلاة والسلام كامل، ففي حجة الوداع أنزل الله عليه قوله تعالى:
عباد الله! كل دين جديد، وكل عبادة لم يأذن بها عليه الصلاة والسلام فاعلم أن صاحبها على خطر.
قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله قد حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ) فلا ينفع مع البدعة أن تقول: أستغفر الله، حتى تدعها وتتركها فيتوب الله عز وجل عليك.
عباد الله: إن البدعة أمرها خطير، ولهذا قال العلماء: إنها شر من المعصية، ولأن البدعة بريد إلى الكفر والشرك بالله، حتى قال الإمام مالك : "من زعم أن في الدين بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خائن". أي من قال: هذه بدعة لكنها حسنة، فقل له: كلامك يستلزم أن محمداً عليه الصلاة والسلام قد خان الرسالة، كيف تكون حسنة ولم يخبرنا بها عليه الصلاة والسلام؟! ولم يبلغنا إياها؟! وهو الذي قال: (ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا أمرتكم به ) وقال: (تركتكم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ) ولهذا يأتي يوم القيامة على الحوض يرد مع الناس فتأتي الملائكة تدفع بعضهم وتزيح بعضهم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أصحابي أصحابي! فيقولون: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك ) لقد زادوا وشرعوا وابتدعوا في دين الله.
عباد الله: إن القضية الكبرى؛ قضية أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والمسألة شديدة، والمسألة كبيرة؛ لأن بها يدخل الناس الجنة وينجون من النار، فعلينا أن نتعلم ما معنى لا إله إلا الله؟ وما شروطها؟ وأركانها؟ ومقتضياتها؟ ونتعلم معنى أن محمداً رسول الله؟
ليست القضية علم فقط بل لابد من تطبيق، فالذي يعلم أنه لا إله إلا الله لا يلتجئ إلى غير الله، ولا يستعين فيما لا يقدر عليه غير الله إلا بالله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يدعو غير الله.
والذي يشهد أن محمداً رسول الله يحتاج إلى واقع عملي، لا يزيد في دين الله، ويلتزم بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، وبهذا يكون قد أتى بمعنى الشهادتين علماً وعملاً، اعتقاداً وتطبيقاً، نسأل الله عز وجل أن يميتنا عليها. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر اللهم أعداء الدين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.......
للشيخ : ( نبيل العوضي )
